«التأسيسي» برنامج أكاديمي تحول منذ سنوات إلى حجر الزاوية و«قاعدة الإصلاحات» التي تنتهجها إدارة جامعة قطر الحكومية، وترى فيه أداة حتمية لتطوير مستوى خريجي الجامعة. لكنه بالنسبة الى كثيرين من الطلاب الجدد «كابوس» يقض مضاجعهم حتى قبل أن تطأ أقدامهم الجامعة، لأن الفشل في اجتيازه يعني «طي القيد» ونهاية مبكرة لحلم الحصول على شهادة جامعية! بداية كل موسم جامعي، يعود كثيرون من الطلاب الحاصلين على شهادة الثانوية العامة، ممن اختاروا الالتحاق بالجامعة الحكومية الوحيدة في البلاد، بدلاً من الجامعات الأميركية الخاصة، إلى عزف السمفونية نفسها: أبعدوا عنا التأسيسي! برنامج التأسيسي الذي انطلق عام 2005 يعد نواة الإصلاحات التي تنتهجها جامعة قطر من أجل تطوير مستوى طلابها. وبموجبه، تلزم الجامعة الوافدين الجدد اجتياز امتحان ال «توفل» في اللغة الانكليزية والحصول على درجة 500، إلى جانب اجتياز امتحان الرياضيات والكومبيوتر بالانكليزية أيضاً. وفي حال نجح الطالب في الامتحانين الأخيرين، وأخفق في ال «توفل»، يجبر على اجتياز سنة ونصف سنة إلى سنتين، ولا يسمح له بالانتقال إلى مرحلة التخصص الجامعي، قبل الحصول على ال «توفل». والواقع أن هاجس ال «توفل» يطارد طلاب الثانوية العامة خصوصاً في المدارس الحكومية التي تدرس مقرراتها باللغة العربية، خلافاً للمدارس المستقلة، ما جعل السلطات تسعى الى تدارك المشكلة وتحرص على إدراج الانكليزية منذ الصفوف الاولى. وشكل «حاجز التوفل» مادة دسمة للنقاشات بين أولياء الأمور والأكاديميين، وذهب بعضهم إلى حد اتهام جامعة قطر الحكومية ب «استنساخ» برامج إصلاحية أجنبية من دون الأخذ في الاعتبار «هوية المجتمع القطري»، و «الحفاظ على اللغة العربية». ولم يفلت من النقاشات أعضاء مجلس الشورى، في وقت شكلت المنتديات الالكترونية والمدونات الفضاء الابرز للشباب القطريين، من المؤيدين ل «التوفل»، والرافضين له. وفي مواجهة الرافضين ل «التأسيسي»، انبرت الدكتورة شيخة المسند للدفاع عن نهج الإصلاحات الذي سطرته منذ وصولها إلى رئاسة جامعة قطر، رافضة بشدة أي تراجع عنه، لأن إتقان الانكليزية شرط ضروري لدخول الجامعة «وهو يصب في مصلحة الطالب بعد التخرج». وشددت المسند في تصريحات على أن إتقان الإنكليزية «يزيد من فرص التوظيف كما يمكّن الطالب من الاطلاع على المعارف التي توفرها وسائل الاتصال وخصوصاً الإنترنت، ما يوسع أفق الطالب ويدفعه الى تطوير نفسه مدى الحياة». وتعترف قائدة قطار الإصلاحات في الجامعة الحكومية بأن جزءاً كبيراً من الطلبة «يأتون الى الجامعة غير متمكنين من الانكليزية، ما يبرر الإصرار على تقديم المساعدة لهم بإعطائهم الفرصة من خلال البرنامج التأسيسي لكي يعوضوا ما لم يتمكنوا من إتقانه خلال مراحل التعليم العام». وتذهب المسند أبعد في تحديها معارضي التأسيسي، اذ تشير إلى أن البرنامج يعتبر الأكبر في الجامعة من حيث حجم العاملين فيه والطلاب المنتسبين اليه، وتكلفته المادية، لكنها تعلق قائلة: «نحن أمام خيارين: إما أن نترك الطالب يتحمل مسؤولية إتقانه اللغة الانكليزية على عاتقه الشخصي كما تفعل جامعات أخرى أو أن نقدم له المساعدة ونوفر له برنامجاً يمكّنه من اكتساب هذه المهارة واستخدام اللغة الانكليزية. وهذا ما نقوم به لأننا مسؤولون عن رعاية مصالح الطلاب وإعدادهم للمستقبل». أما «ضحايا التأسيسي» الذين اضطروا إلى مغادرة مقاعد الجامعة باكراً بعدما صدموا بقرار «طي القيد»، الذي يعني فصلهم نهائياً من الجامعة فيطالبون بأصوات خافتة وبعض الخجل، بإلغاء هذه العقبة الدراسية. و«طي القيد»، لا يناله الراسبون في التأسيسي فقط، بل يطاول أيضاً أي طالب يخفق في تحقيق معدل 2 في المئة خلال سنوات التخصص. وبعدما تمنح له أربع فرص لتحسين المعدل، يجد «الفاشل» نفسه خارج أسوار الجامعة، وكثيرون غادروها وهم قاب قوسين أو أدنى من التخرج، ولم يتبق أمامهم سوى سنة واحدة أو اثنتين لمعانقة شهادة التخرج! ويشير طلاب من جامعة قطر إلى أن «التأسيسي» حصد الكثير من الضحايا خصوصاً بين طلاب الهندسة المطلوب منهم إتقان الانكليزية في شكل اكبر. وتتفاقم معضلة الطلاب «المطرودين» بسبب رفض جامعة قطر الترخيص لهم باستكمال ما تبقى لهم من سنوات الدراسة في جامعات أخرى داخل قطر أو خارجها، ذلك أن إدارة الجامعة ترفض اعتماد الشهادات التي قد يحصلون عليها، ولو دفعوا أموالاً طائلة للدراسة في دول عربية أخرى. ما يعني أن من يطوى قيده في جامعة قطر، لا ملجأ له إلى الاستستلام للحياة العملية أو البطالة... وتلك قصة معاناة أخرى! وعلى غرار الكثير من الجامعات العربية، تتحفظ جامعة قطر نهاية كل موسم دراسي عن سرد أرقام الطلاب الذين يغادرون الجامعة كل سنة بسبب «طي القيد»، وتفضل التباهي بعدد الخريجين، وعدد البحوث العلمية المنجزة، اذ تفوق طلاب جامعة قطر على أقرانهم في الجامعات الأميركية في المدينة التعليمية في عدد منح البحث العلمي. وبين أخد ورد، يبدو أن جامعة قطر كسبت الرهان في مواجه خصومها بعد أن نجح البرنامج التأسيسي في الحصول على الاعتماد الأكاديمي الدولي من مؤسسة CEA الأميركية، التي تتولى اعتماد برامج اللغة الانكليزية في كل أنحاء العالم منذ 10 سنوات، ما يعني أن «التأسيسي» استوفى الشروط العلمية المطلوبة لتحقيق مخرجات عالية الجودة. ومنحت المؤسسة الاعتماد ل 80 برنامجاً في الولاياتالمتحدة ودول أخرى، منها ثلاثة برامج في جامعات الكويت والمغرب والإمارات العربية المتحدة.