ينشغل الحزب الوطني الحاكم في مصر بانتخاباته الداخلية لاختيار مرشحيه لانتخابات مجلس الشعب المقررة نهاية الشهر المقبل، فيما انشغلت قوى المعارضة بتصفية الحسابات في ما بينها. لم يجد الحزب الحاكم أن عليه مواجهة مرشحي الأحزاب والقوى الأخرى من الآن لأن تلك القوى ستنوب عنه في تصفية بعضها حتى قبل أن يحل موعد الانتخابات. دائماً ما كتبت عن أمراض تعانيها المعارضة المصرية لم تسع أبداً إلى علاجها وفشلها، أولاً في الوصول إلى قواسم مشتركة في مواجهة الحزب الوطني، وثانياً في غياب الديموقراطية داخلها، وهي التي تطالب «نظام الحكم» بتطبيق الديموقراطية بصورة كاملة، وثالثاً في انفصالها عن الشارع وهي التي تعيّر الحزب الحاكم بابتعاده عن الشارع على رغم كل الإمكانات التي يستحوذ عليها. وحين أسست أحزاب التجمع اليساري، والوفد الليبرالي، والعربي الناصري، والجبهة الديموقراطية، قبل شهور ائتلافاً، بدا أن أطراف الائتلاف لم تسع إلى الاتفاق حول مبادئ تلتزم بها الاحزاب الأربعة، وإنما سعى كل طرف إلى فرض مبادئه وربما مصالحه على الأطراف الأخرى، فسقط الائتلاف عند أول محك حقيقي، حين فشلت احزابه في حسم مسألة المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها. وحتى قبل أن يُعلن عن تأسيس الائتلاف كان واضحاً أن حزب الوفد لن يقاطع الانتخابات وأن قادته يرون في المقاطعة خسارة حتى لو لم تستجب الحكومة أو الحزب الحاكم لمطالب المعارضة بوضع ضوابط لضمان سلامة الانتخابات. وكان واضحاً أيضاً أن حزب التجمع لن يقاطع ومعه الناصري للأسباب نفسها، وأن الحوار حول مبدأ المشاركة أو المقاطعة استهلاك للوقت، إذ إن مواقف الأحزاب الأربعة كانت معلنة ولا مفاجآت فيها، وعلى ذلك عندما أعلن حزب «الجبهة الديموقراطية» مقاطعته الانتخابات بدا منطقياً سقوط الائتلاف وفشل أطرافه في اتخاذ موقف موحد. واللافت أن الأحزاب الأربعة حملّت على جماعة «الإخوان المسلمين»، وربما اتهمتها باتخاذ موقف منفرد من دون التنسيق مع المعارضة بالإعلان عن مشاركة «الإخوان» في الانتخابات، وأن الجماعة ضربت بذلك وحدة المعارضة على رغم أن الأحزاب الأربعة نفسها استبعدت جماعة «الإخوان» من الائتلاف. وعموماً يدرك المتابع للمشهد السياسي المصري الآن حجم المعاناة داخل أحزاب وقوى المعارضة المصرية ليس فقط على مستوى تبادلها الاتهامات، ولكن حتى على المستوى الداخلي لكل حزب أو جماعة، فالمعترضون على المشاركة في الانتخابات صوتهم أعلى من الذين يرون أن في المشاركة فائدة وأن الانسحاب يخدم الحزب الحاكم ولا يفيد الديموقراطية أو العملية الانتخابية، وأن فضح أساليب التزوير لن يتم إلا إذا شاركت كل القوى وأن ترك الساحة للحزب الحاكم أمر يتمناه هذا الحزب حتى لو لم يعلن ذلك صراحة. لم ترض المعارضة المصرية بما اتفقت عليه الغالبية داخلها بالمشاركة في الانتخابات وبدأت الهجوم على بعضها بعضاً ليجد الحزب الحاكم الأرضية ممهدة ليكتسح الانتخابات، سواء بسبب ضعف المعارضة أو انشغالها، بغض النظر عن «ألاعيب» الانتخابات واستحواذ الحزب الوطني على إمكانات الدولة وتسخيرها لمصلحة مرشحيه. قد يكون منطقياً ألا يلقى قرار الأحزاب و»الإخوان» بالمشاركة في الانتخابات ارتياحاً لدى الملتفين حول الدكتور محمد البرادعي الذين تبنوا موقفاً يطالب بتعديل الدستور والقوانين «ذات العلاقة» بالانتخابات النيابية، لكن الغريب أن تنقلب الأحزاب على بعضها بعضاً وهي التي عجزت عن الاتفاق ومعها «الإخوان» على موقف موحد. إنه المشهد المصري قبل الانتخابات البرلمانية، فما بالك بحاله قبل الانتخابات الرئاسية التي ستحل قبل نهاية العام المقبل؟