دخلت موجة تلفزيون الواقع إلى الوطن العربي في وقت متأخر، لكنها سرعان ما انتشرت انتشار النار في الهشيم، وهو أمر متوقع ولم يكن مستبعداً، وبعد «سوبر ستار» و«ستار أكاديمي» وغيرهما من البرامج المماثلة، استلهم برنامج «المجلس» التجربة، فخرج ببرنامج «مزيج» يقدم الرياضة على طبق العفوية والتلقائية المحضة، بعيداً عن التعامل الرسمي في الأستديوهات الأخرى، فشاهدنا الضيوف يتناولون الشاي والقهوة، ويخرجون ويدخلون أثناء عرض البرنامج في كسر واضح لحدة «الرسمية» في القنوات الأخرى، وسرعان ما استلهمت مختلف القنوات الرياضية العربية الأخرى التجربة، لتخرج ببرامج حوارية تلقائية سهلة قريبة من المشاهد، خصوصاً بعد النجاح المبهر الذي حققه المجلس على صعيد الانتشار الجماهيري. أخيراً يبدو أننا دخلنا مرحلة جديدة أصبحت فيها أحاديث المجالس تنقل «تلفزيونياً»، ويبدو أن المرحلة اللاحقة ستكون نقل الكاميرا إلى «الاستراحات»، لنقل النقاشات العامة حول القضايا الرياضية، ليظهر الضيوف على طبيعتهم من دون اعتبارات «تلفزيونية»، ويمارسون كل أنواع الطُرف الجائزة وغير الجائزة، المقبولة وغير المقبولة. بعد أن سمعنا خلال أسبوع واحد كلمات مثل سكران ومعفن وأهبل على شاشات تلفزيونية بعضها عريق، فنحن أمام أمرين فإما أن قطار تلفزيون الواقع وصل إلى محطة متقدمة لم نشعر بها، أو أن هذا هو واقع الوسط الرياضي، وبالتالي كان من الطبيعي أن يظهر تلفزيونياً بهذا الشكل، أو خيار ثالث لم أطرحه أنا، بل قرأته في مقال للزميل مشاري الذايدي في الزميلة «الشرق الأوسط»، حين صوّر الحال الرياضية بمشهد سريالي، تحولت فيه الجماهير إلى الجزء الفاعل في الملاعب، ليصبحوا هم «الأبطال»، ربما يكون تصور الذايدي قريباً من الواقع، فالبعض جمهور يتحدث إلى جمهور عن جمهور آخر، بينما «اللعبة» غائبة عن المشهد. أتذكر أن الكثيرين كانوا ينتقدون «البالتوك» عند ظهوره، وتصاعد أعداد مستخدميه، على اعتبار أن اللغة المستخدمة فيه لغة «هابطة ووضيعة» لا تليق بالاستخدام «الآدمي» تحت قناع الأسماء المستعارة، لكن حالياً هناك أسماء تظهر وتقول «كلاماً» على شاكلة ما يقال في «البالتوك» من دون أي خجل أو تردد. لست ضد أن يقول الكل آراءهم بكل صراحة ووضوح مهما كانت حدتها بأي اتجاه، لكنني ضد تسطيح «التعبير عن الرأي» إلى هذا الحد المخزي الذي لا يليق بعرضه في شاشات تلفزيونية محترمة تقدم برامجها إلى متلقين من كل الأعمار ومن شخصيات وشاشات لها دور كبير في تشكيل ذهنية المتلقى السعودي نحو التعامل مع القضايا الرياضية، وإذا كانت المرحلة الحالية على هذا النحو، فإن الجيل اللاحق الذي تأسس تلقيه للحدث الرياضي على هذا المستوى سيكون أشد شناعة، وربما ستتذكرون حينها هذا المقال بعد 10 أعوام أو أقل. أخيراً أخشى في المقبل من الأيام أن يكون الظهور في برنامج رياضي من الأمور التي تقدح في «مروءة الشخص». [email protected]