عقدت في الأسبوع الماضي قمة سرت الاستثنائية للدول العربية، وسط ترقب لما ستؤول إليه نتائج عقدها، خصوصاً أنها قمة استثنائية، بمعنى أنها سوف تناقش قضايا حيوية تهم الشعوب العربية، أو بالأصح أنها سوف تتدارس الوضع العربي الحالي وسط قلق وخوف من التحديات التي تواجهه في عدد من القضايا. كما أعقبت قمة سرت الاستثنائية في التالي القمة العربية الأفريقية الثانية، التي تعقد بعد 33 عاماً من القمة الأولى، التي عقدت في القاهرة عام 1977. قبل انعقاد القمة تباينت وجهات النظر العربية تجاه تطوير وإصلاح منظومة العمل العربي، إذ ترى بعض الدول العربية أن الإصلاح يبدأ بإعادة الهيكلة للجامعة العربية، والتركيز على العامل الاقتصادي، وتطوير البُنى التحتية لانتقال الأفراد ورؤوس الأموال بين الدول العربية، فيما ترى دول أخرى أن التريث والتدرج في هذا الموضوع قد يكون أمراً مفيداً، لتجنب الأخطاء التي قد تحدث من الاستعجال وعدم الدراسة المتأنية لإصلاح منظومة العمل العربي المشترك، علماً بأن القمة الاستثنائية ناقشت عدداً من القضايا العربية الملحة التي تستوجب اتخاذ موقف تجاهها وهي: أولاً: تأتي القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي في مقدم الاهتمامات العربية، خصوصاً في ظل التعنت الإسرائيلي والتسويف من خلال النتائج السلبية للمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي رعتها الولاياتالمتحدة الأميركية، وتصميم الجانب الإسرائيلي على الاستمرار في التوسع في بناء المستوطنات مع الدفع تجاه اعتراف الجانب الفلسطيني بيهودية دولة إسرائيل، ما يلغي حق عرب 1948 في المواطنة، وسد الباب أمام عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ولذلك إذا استمرت هذه المفاوضات على هذه الشاكلة فسوف تكون استسلاماً لمطالب الجانب الإسرائيلي، لذلك توقع الجميع أن تكون للقمة موقف واضح من موضوع استمرار المفاوضات من عدمه. ثانياً: أما بالنسبة للسودان فقد أظهرت القمة الاستثنائية تضامناً معه، في ما يتعلق بالضغوط التي يتعرض لها تجاه قضية انفصال جنوب البلاد، والاستفتاء المزمع إجراؤه في الجنوب عموماً، وأبين بشكل خاص، إذ صدر بيان القمة ليؤكد على احترام وحدة أراضي السودان والتمسك بسيادته على أرضه كاملة، ولكن السؤال المطروح هو: هل يستطيع هذا البيان فعل أي شيء تجاه ما يجري على أرض الواقع في السودان؟ أم أن الموقف العربي جاء متأخراً جداً؟ كما أن قضية دارفور استحوذت على جزء كبير من اهتمام القمة، وأيدت السودان في ما يتعلق بالصراع في دارفور والجهود التي تبذل من أجل الاستقرار في هذا الإقليم المهم له، ولعل هذا الموقف من قضية دارفور لا يكون متأخراً كالموقف من جنوب السودان. ثالثاً: ما يتعلق بمحاولة إصلاح عمل الجامعة العربية، أوصت القمة بإقرار التوصيات الخاصة بتفعيل منظومة العمل العربي المشترك التي كانت أصدرتها اللجنة العربية الخماسية في حزيران (يونيو) الماضي، التي تضمنت الموافقة على عقد القمة العربية مرتين في العام – قمة عادية وقمة تشاورية تعقد في دولة المقر في القاهرة، إضافة إلى عقد عدد من القمم العربية النوعية لبحث الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والثقافية، وكذلك الاتفاق على تهيئة كل دولة عربية مفرزة من قواتها المسلحة للإسهام في عمليات حفظ السلام. رابعاً: تلت القمة العربية الاستثنائية بيوم واحد وفي المكان نفسه قمة عربية أفريقية، كان من أهم البنود التي تمت مناقشتها هي تشجيع الاستثمارات، وزيادة حجم التبادل التجاري، ودعم القضايا المشتركة في المحافل الدولية من الدول العربية والأفريقية، إذ تقع تسع دول في قارة أفريقيا، وهي أعضاء بالاتحاد الأفريقي، وتملك تاريخاً طويلاً جداً من التفاعل مع قضايا القارة، كمحاربة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا حتى سقوط حكومة الأقلية البيضاء، والإفراج عن نيلسون مانديلا وقيام حكومة ديمقراطية فيها، لذلك التعاون العربي الأفريقي حتمي ويجب أن يكون له أولوية في قرارات القمم العربية المقبلة، خصوصاً ونحن نرى تهافت الدول الكبرى على القارة الأفريقية وخيراتها. خامساً: في ما يخص ضم بعض الدول الإقليمية إلى الجامعة العربية وتحويلها إلى منظمة إقليمية، وهي الدعوة التي تبناها الأمين العام للجامعة عمرو موسى، فلا يزال عدم الاتفاق تجاه هذه النقطة مستمراً بين الدول الأعضاء في الجامعة. إن التأثير الخارجي، سواء إقليمياً أو دولياً، واضح في الشأن العربي، وبدأ ينتقل إلى مرحلة التدخل في الشؤون الداخلية في بعض الدول العربية، كلبنان والعراق، واليمن وغيرها من الدول الأخرى التي تتعرض لتدخلات إقليمية ودولية، لذلك نرى أن مسألة توسيع الفضاء العربي ليشمل بعض دول الجوار هو محل تساؤل كبير من الكثير من المحللين، إذ التدخل الخارجي بدأ يظهر واضحاً، ويؤثر في العلاقة بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية، ويأخذ شكلاً من أشكال التأثير الخارجي الذي بدأ يطغى على علاقات الدول العربية في ما بينها، ولذلك نجد أن الشروع في إصلاح جامعة الدول العربية أمر ملح ومهم قبل التفكير في توسيع العضوية، حتى يبقى التأثير العربي هو الطاغي في الجامعة وقراراتها المختلفة. الجميع مجمع على أن الجامعة العربية ومنظومة العمل العربي المشترك بحاجة إلى إصلاح، ولكن هناك تبايناً في كيفية المعالجة وهذا التباين ينطلق من نقطتين مهمتين هما: هل الإصلاح يبدأ من إعادة الهيكلة للجامعة العربية وتطوير نظامها ومؤسساتها بما يتوافق مع الأهداف والمصالح العربية؟ أم أن المعالجة تبدأ بهدوء والعودة لميثاق جامعة الدول العربية الذي أسست على أساسه، ومن ثم إصلاح هذا الميثاق أو تغييره بشكل يساعد الجامعة على القيام بدورها على أكمل وجه، ويجعل لها حضوراً في المحافل الدولية؟ عندما قام الاتحاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت أوروبا تتجه للمنافسة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأميركية، والاختلاف بين فرنسا وألمانيا من جهة، وبريطانيا من جهة أخرى شديد جداً، لكنه لم يمنع من قيام هذا الاتحاد وبناء مسيرته، ولم يؤثر على مسيرته السياسية والاقتصادية، على رغم استمرار هذا التباين، حتى الآن. والسؤال المطروح دائماً وبعد كل قمة عربية هو: هل تشهد منظومة العمل العربي المشترك إصلاحاً يتوافق مع حاجة الشعوب العربية للمنافسة والتطور؟ أم أن نتائج كل قمة مثل القمم التي تسبقها؟ * أكاديمي سعودي.