للنائم أن تقلقه الأصوات المفاجئة. تحرك وهو يحاول التأكد مما سمع، فيما لا يزال بين نوم وصحو، وضع النظارة على عينيه.. أضاء الغرفة جال ببصره.. فرك أذنيه، أغمض عينيه وفتحهما ليدخل الصحو من أوسع أجفانه! كان صوتاً لشيء يتحرك.. ينحشر بين أوراق وكتب قرب الزاوية.. لام نفسه، كيف سيعثر على مصدر الصوت بين الكتل المبعثرة التي تملأ أرجاء الغرفة.. ستنتصر الفوضى لو دخل في مطاردة مع أي زائر! أعاد القلق والزمن إلى الوراء، أطفأ اللمبة.. خلع النظارة، تركها قريباً منه.. أغلق عينيه عاود البحث عن دفء في شتائه وحيداً.. استعاد بعضاً من مطارداته للهوام التي تسير على ظهر الأرض، قلّب العلاقة بين مشاعر الوحدة وذكرى من رحلوا! ثم عاود النوم. استيقظ بعد ساعتين.. ونسي! قبل أن ينتصف الليل ما زال مستيقظاً، وكان الضوء يملأ الغرفة.. فجأة، وبلا مقدمات، يلمح في هامش نظره شيئاً يسقط من فوق خزانة الملابس ويهمد، حرك بعض الأثاث ليستطلع الأمر.. لعبة الصوت والحركة تغريه أحياناً.. هذا الشيء لم يصدر صوتاً ولم يحشر جسده مجدّداً! بورقة تقويم مهملة حرك شيئاً غريباً صغيراً وخفيفاً.. سحبه إلى مكان واضح.. كاااانت فراشة! سيقبض عليها.. حاول الإمساك بها، ظلت تتحرك قليلاً وتهمد.. خشى أن تتفتّت بين أصابعه إلى رفات.. وتذكر وصية الأم: - لا تؤذوا الفراشات! - لماذا يا أمي؟ - لأنها جاءت من عند أرواح الموتى! شعر بدفء يسكن روحه، فيما تحاول الفراشة مغادرة المكان، وأحس بروحه تتوق إلى مرافقتها في رحلة العودة هرباً من برد الدنيا، وصعدت زفرته: «آه.. كم دنيانا بعدك باردة يا أمّي». تسلّل إليه نوم غريب، وشعر بدفء لذيذ له طعم الذكرى .. يملأ المكان رغم ارتعاشات الفراشة الزائرة! راح يحملها برفق إلى مكان آمن.. وكان جناحاها يرتعشان برفق كحركة نائم! * قاص سعودي.