تشهد الكويت منذ أشهر عدة أزمة رياضية حادة دفعت إلى تعليق مشاركتها في المحافل الدولية، في تجاذب يرى محللون كثيرون أنه جزء من صراع نفوذ أطرافه أعضاء من الأسرة الحاكمة وسياسيون بارزون. وقبل أكثر من عام، علقت هيئات رياضية أبرزها اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم، مشاركة الكويت في المسابقات على خلفية تدخل الحكومة في الشأن الرياضي، إذ حرم ذلك الكويت من المشاركة رسمياً في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية الماضية في ريو دي جانيرو، والتصفيات المؤهلة لكأس العالم لكرة القدم 2018، وشارك رياضيون كويتيون في «الأولمبياد»، لكن تحت الراية الأولمبية، إذ لم يحظ فهيد الديحاني بفرصة مشاهدة علم بلاده يرفع ونشيدها يعزف في «ريو 2016» لدى إحرازه ذهبية «دوبل تراب» في منافسات الرماية. وفي كرة القدم، منح الاتحاد الدولي (فيفا) الكويت مهلة حتى الجمعة المقبل لتسوية أوضاعها، قبل الاتاحة لها المشاركة في التصفيات المؤهلة لكأس آسيا 2019 التي تستضيفها الإمارات. ويقول المحلل السياسي الكويتي ناصر العبدلي: «مشكلات الرياضة في الكويت أنها أصبحت تستخدم كأداة من أدوات الصراع على السلطة»، ويضيف ل«وكالة فرانس برس»: «أجنحة الحكم يستخدمون الرياضة في صراعاتهم»، التي يرى أنها متداخلة بين المالي بالسياسي والرياضي. وبحسب محللين، يرتكز التجاذب بين مجموعة أولى تضم الشيخ أحمد الفهد الصباح، الشخصية النافذة على الساحة الرياضية العالمية، وأخاه الشيخ طلال وإخوانهما الآخرين ومؤيديهم الذين يسيطرون على معظم الأندية والاتحادات الرياضية، بينما تتكون المجموعة الثانية من وزراء وأفراد آخرين من آل الصباح، إضافة إلى رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم المنتمي إلى عائلة نافذة في قطاع الأعمال وعدد من مؤيديهم. وباتت الأزمة عنصر ضغط في الحياة السياسية، ما دفع أعضاء مجلس الأمة الجديد إلى إصدار توصية غير ملزمة في جلسته الأولى، يطلب فيها من الحكومة التعهد «بتحقيق المتطلبات اللازمة لرفع الإيقاف الرياضي الذي تتعرض له الكويت»، وتعهد المجلس ب«إجراء التعديلات اللازمة للتشريعات»، في ما يعتقد أنه إشارة إلى تعديل أجراه المجلس السابق في حزيران (يونيو) الماضي، منح بموجبه الحكومة صلاحية حل الاتحادات، ما اعتبر أداة إضافية تتيح التدخل الرسمي في الشأن الرياضي، بعكس ما تطالب به الهيئات الدولية، إلا أن العلاقات التي تربط شخصيات رياضية أبرزها الشيخ أحمد الفهد بهذه الهيئات، شكلت موضع انتقاد من معارضيه. وفي وقت سابق، اتهم وزير الإعلام والشباب الشيخ سلمان الحمود الصباح «كويتيين في المناصب الرياضية الدولية» بالتسبب بالتجميد، في إشارة للفهد (عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي)، فيما اتهم رئيس لجنة الشباب والرياضة في مجلس الأمة السابق عبدالله العيوف، الذي كان مؤيداً للحكومة، صراحة في آب (أغسطس) الماضي الشيخ أحمد الفهد ومؤيديه ب«التسبب بتجميد الرياضة الكويتية». في حين، بادرت الحكومة في أغسطس الماضي، وبعد التعديلات التي أقرها مجلس الأمة، إلى حل اللجنة الأولمبية واتحاد كرة القدم اللذين كان يترأسهما الشيخ طلال، كما حلت اتحادات أخرى في الأسابيع الماضية. في خضم الأزمة، آثر الشيخ أحمد التزام الصمت إلى حد كبير، إلا أنه قال في تصريح يعود إلى تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2015، إن ما يحدث «ليس غريباً»، وإن الإيقاف لن يحل «إلا بمعالجة المخالفات التي لا تتماشى مع الميثاق الأولمبي»، إذ يحظى الأخوان الفهد بدعم دولي، ورفضت اللجنة الأولمبية الدولية وال«فيفا» الاعتراف باللجنة الموقتة التي شكلت لإدارة اتحاد كرة القدم، وبات مصير اللجنة الموقتة غير واضح، لاسيما في أعقاب استقالة رئيسها فواز الحساوي من منصبه مطلع كانون الأول (ديسمبر) الجاري. كما يرى محللون أن الإجراءات الحكومية والتشريعية، كانت تستهدف صراحة الشيخ أحمد الفهد ونفوذه في الرياضة المحلية والدولية، حيق قال الصحافي الرياضي فيصل القناعي: «المشكلات هي أن الحكومة وبعض النواب السابقين أقروا تشريعات للإطاحة بالشيخ أحمد وإخوانه من الرياضة المحلية»، مضيفاً: «تلك القوانين تخالف المواثيق الرياضية الدولية». والشيخ أحمد هو ابن أخ الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، وبدأ مسيرته الحكومية مع تعيينه وزيراً للإعلام عام 2001، قبل الانتقال إلى وزارة الطاقة التي أبعد عنها في 2006 بسبب ضغوط من نواب معارضين، ثم عاد بعد ثلاث سنوات كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، واستقال في 2011 بعد تقدم نائبين بطلب لاستجوابه بتهم فساد، بينهما رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، إذ قالت حينها وسائل إعلام محلية إن سبب الاستقالة يعود إلى صراع مع رئيس الحكومة في حينه الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح، ابن عم الشيخ أحمد والذي استقال بعده بخمسة أشهر، وبحسب القناعي، «الهدف كان إزاحة الشيخ أحمد من الحكومة ومن تراتبية الحكم، لأنه قوي ومؤهل». وأبعد من التجاذبات السياسية، يرى محللون أن للأزمة الرياضية في الكويت بعداً مالياً أيضاً، إذ يقول العبدلي الذي يترأس الجمعية الكويتية لتقدم الديموقراطية: «ثمة أموال ضخمة يتم ضخها في الرياضة بعضها يستخدم في السياسة»، بينما كان المدير العام لهيئة الرياضة الشيخ أحمد منصور الصباح أكد في وقت سابق أن الحكومة ضخت 400 مليون دينار كويتي (زهاء 1,3 بليون دولار) في الرياضة خلال الأعوام الخمسة الماضية، فيما يقول الإعلامي الرياضي الكويتي مطلق نصار ل«فرانس برس»: «الرياضة الكويتية كانت مختطفة من قوى فساد لسنوات عدة»، مضيفاً في السياق ذاته: «جرى إصدار تشريعات لتقليص نفوذ قوى الفساد ولإصلاح الحركة الرياضية التي كانت تستغل لتحقيق أهداف شخصية»، كما يرى القناعي أن «كل ما على الكويت فعله هو تعديل القوانين المخالفة، وسيتم رفع التجميد خلال 24 ساعة».