أكد الرئيس السوداني عمر البشير أنه «لن يقبل بديلاً للوحدة»، وجدد التزامه باتفاق السلام الشامل، وإجراء الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب المقرر مطلع العام المقبل في موعده، وعرض مراجعة اتفاقات الترتيبات الأمنية واقتسام السلطة والثروة مع الجنوبيين لترجيح خيار الوحدة. وصدر موقفه في وقت انهارت محادثات شريكي الحكم في شأن مستقبل أبيي الغنية بالنفط لكنهما اتفقا على معاودتها بعد أسبوعين بمشاركة نائبي الرئيس سلفاكير ميارديت وعلي عثمان طه، وسط معلومات عن مساومات بين الجانبين لتقديم تنازلات متبادلة. وقال البشير أمام البرلمان أمس لمناسبة بدء دورة جديدة: «على رغم التزامنا اتفاق السلام الشامل، ولكننا لن نقبل بديلاً للوحدة». ورأى أن «الوحدة هي الخيار الراجح للجنوب إذا أتيحت له حرية الاختيار في استفتاء حر ونزيه»، مؤكداً أن «ترسيم الحدود عامل حاسم في إجراء استفتاء عادل». وذكر البشير أن الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب سيكون عهداً يفصل بين الحرب والسلم، مؤكداً أن حكومته حريصة على انجاح هذا الاستفتاء أكثر من أي طرف آخر. وأفاد أنه تم ترسيم 80 في المئة من خرائط الحدود بين شمال البلاد وجنوبها ويتبقى التنفيذ، موضحاً أنه ما زال هناك خلاف حول نقطة النزاع حول منطقة أبيي الغنية بالنفط، مشيراً إلى أن «توافق شريكي الحكم على الوصول إلى حل في شأن أزمة أبيي أمر حيوي». وقال: «إننا نمضي على مواصلة تنفيذ خطوات الاستفتاء حتى لا يطمع طامع»، مشيراً إلى أن الاستفاء لا عاصم منه سوى الاتفاق على بنوده بين الطرفين. وأضاف: «إننا على اقتناع تام بأن أهالي الجنوب - إذا ما توافرت لهم الفرصة الكاملة للالاء بأصواتهم في حرية - فإنهم لا شك سيذهبون إلى الوحدة». وتابع البشير قائلاً: «إننا على أتمّ استعداد لمراجعة كافة الاتفاقات الأمنية مع الشركاء في الجنوب ومع «الجيش الشعبي لتحرير السودان» الذي يُعدّ مكوناً أصيلاً لمكونات الجيش السوداني للحفاظ على وحدة السودان وتمكيناً من التوزيع الأمثل لمهمات الدفاع عن الوطن وحماية أمنه القومي». وأضاف: «كما أننا على استعداد للنظر في قضية الثروة لإعادة إعمار كافة ولايات جنوب السودان بما يعزز الوحدة حتى لو تجاوز الإعمار نسبة مئة في المئة من عائدات النفط». وفي شأن اقتسام السلطة، قال البشير: «سندعو إلى مراجعة في إطار قوميّ لطبيعة العلاقات اللامركزية على المستوى الولائي والمحلي في القطر كلِّه، بما يعززُ من التجربة، ويوسِّعُ من دائرة مشاركة أبناء الوطن، وأبناء الجنوب خاصة، في بناء الوطن الكبير». وأوضح أن السياسة الخارجية تقوم على حسن الجوار والتعاون مع المجتمع الدولي، مشيراً إلى النموذج الذي تم تطبيقه مع تشاد وإثيوبيا وأريتريا والذي تم بإرادة سياسية لدى الطرفين وحوّل الحدود المشتركة من تهريب المخدرات والسلاح إلى التعاون الاقتصادي. وأكد أن السودان سيواصل مساعيه لدعم العمل العربي الافريقي المشترك، مشيراً إلى أن السودان اعتمد الحوار نهجاً يقوم على الندية والاحترام المتبادل في ضوء احترام الشرعية الدولية «من دون املاءات خارجية». وانتقد المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحقه بارتكاب جرائم حرب وإبادة في دارفور وصفها بأنها لعبة في يد الأغنياء لإرهاب الفقراء بها، مشيراً إلى أن على دول العالم الثالث مراعاة العمل المشترك للتصدي للتدخلات الخارجية وتحقيق تنمية مستدامة. إلى ذلك، فشلت المفاوضات بين شريكي الحكم، حزب «المؤتمر الوطني» و «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، التي نُظّمت برعاية إثيوبيا والولاياتالمتحدة في أديس أبابا في شأن منطقة ابيي النفطية المتنازع عليها، بحسب بيان مشترك صدر عن الجانبين أمس. وأوضح الجانبان انه «على رغم الجهود الجدية والمحادثات المثمرة، لم يتم التوصل إلى اتفاق حول معايير مشاركة الناخبين في الاستفتاء حول منطقة أبيي». لكن البيان قال إن «الطرفين وافقا على درس مسألة أبيي في إطار مقاربة أوسع وأشمل في إطار ترتيبات» تتعلق بالاستفتاءات (في الجنوب وأبيي) والفترة التي تعقبها، مشيراً إلى اجتماع قريب في إثيوبيا نهاية تشرين الاول (اكتوبر) الجاري. وقال الأمين العام ل «الحركة الشعبية» باقان أموم إن «أمامنا 90 يوماً. الوقت حساس للغاية. إذا فشل الجانبان في تسوية هذه القضايا فقد يؤدي ذلك إلى نهاية عملية السلام ذاتها. السلام قد يتداعى في السودان». وعُلم أن طرفي السلام اتفقا على معاودة المحادثات في شأن أبيي بمشاركة نائبي الرئيس سلفاكير ميارديت وعلي عثمان محمد طه بعد أسبوعين، وسيحضرها المبعوث الرئاسي الأميركي إلى السودان سكوت غرايشن ورئيس جنوب افريقيا السابق ثامبو مبيكي المكلف من الاتحاد الافريقي بالتوسط في ملف السودان. وأفادت مصادر مطلعة أن وفدي الطرفين عادا من أديس ابابا بمقترح أميركي يدعو إلى تبعية أبيي إلى الجنوب، مع منح السودانيين الآخرين المقيمين في المنطقة بمن فيهم قبيلة المسيرية العربية الجنسية المزدوجة في حال انفصال الجنوب، كما حمل المقترح ضمانات وحوافز إلى المسيرية وحزب «المؤتمر الوطني»، مع وعد بإسقاط العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان من الولاياتالمتحدة. وعلمت «الحياة» أن هناك اتجاهاً لطرح ملفات القضايا العالقة أمام قيادات من شريكي الحكم للمناقشة على مساومات لتقديم تنازلات متبادلة خصوصاً في شأن ترسيم الحدود والجنسية ووضع الجنوبي في الشمال ومنطقة أبيي. وزار طه جوبا أمس لإجراء مشاورات مع سلفاكير في هذا الشأن وترطيب الاجواء من أجل تهيئة بيئة مناسبة لانجاح المساومات بينهما بما يمكّن من اجراء الاستفتاء بعيداً من التوتر وضمان انفصال سلس في حال اختار الجنوبيون ذلك. وكان غرايشن سعى إلى منع انهيار المحادثات وتدخل لدى الطرفين بعدما تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس باراك أوباما وأعاد الوفدين إلى طاولة التفاوض بعدما حزما امتعتهما ووصلا إلى مطار أديس أبابا تأهباً للمغادرة. وأشارت المصادر ذاتها إلى تخوّف المسؤول الأميركي من أن تمثّل عودة الوفدين من دون اتفاق حد أدنى، شرارة حرب جديدة يمكن أن تهدد اتفاق السلام وتعطل الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب.