قبل خمسين عاماً كانت الشركات النفطية الغربية من أميركية الى هولندية الى بريطانية تدفع للدول المنتجة للنفط أقل من دولارين ثمن برميل نفطها. واليوم ومنظمة «أوبك» تحتفل بمناسبة مرور خمسين سنة على تأسيسها وتعقد مؤتمرها الوزاري العادي في فيينا غداً (الخميس) يجب التذكير بما قامت به الدول المنتجة مع تأسيسها للمنظمة التي مكنتها من تحصيل سعر لبرميل نفطها يراوح حالياً بين 75 و 81 دولاراً. ولا شك أن الفارق شاسع بين وجود منظمة تحمي مصالح شعوبها ازاء شركات استفادت من ثرواتها الطبيعية على حساب دول تمكنت من تأسيس منظمة بلغت اليوم سن العقلانية بعد أن مرت في تقلبات ومطبات سياسية استطاعت ان تتجاوزها من أجل الدفاع عن مصالحها. فمنذ سنة الفين وبالتحديد منذ قمة «اوبك» في فنزويلا تعهد وزراء دول المنظمة بإشراف ملوك ورؤساء دولهم بترك القضايا السياسية بعيدة عن أعمالهم وهذا انجاز لا يصدّق المواطن العربي أنه حصل. فمنذ عشر سنوات وعلى رغم الحروب التي كانت قائمة بين عضوي المنظمة العراق وإيران ثم اجتياح العراق للكويت ثم قلب نظام صدام حسين عن طريق الحرب الأميركية، استمرت «اوبك» تعمل على رغم كل هذه الخلافات، لأنه كما قال وزير نافذ في المنظمة ل «الحياة» «ان مصالح كل هذه الدول فرضت نفسها على ذلك». فلو لم تستطع الدول المنتجة إدارة إنتاج بلادها لما تمكنت «أوبك» من الحصول على عائدات بمستوى هي بحاجة اليه. أما ماذا تفعل بهذه العائدات فالتفاوت والاختلاف في السياسات أمر آخر. فعلى رغم تواجد أنظمة مشاغبة مثل فنزويلا وإيران وليبيا استطاعت المنظمة الصمود وتجاوز المطبات السياسية التي واجهتها. فطبعاً هناك اختلاف حول إنجازات دول «أوبك». فهناك من استفاد منها وطوّر بنية تحتية في بلده وحسَّن مستوى معيشة شعبه وهناك من جعل من عائداته أداة لنشر ثورته على حساب مصالح شعب بقي في بؤس وفقر يجعل البعض يتمنى لو لم تكن لهذه الأنظمة مثل هذه الثروة النفطية. لا شك أن تأسيس منظمة «أوبك» يمثل في تاريخ الدول النامية حدثاً ضخماً، وتطوّر أعمال المنظمة اليوم يشير الى نضج كبير لممثلي هذه الدول الذين حرصوا على مصالحهم على رغم الاختلاف في سياساتهم. ان أقدم وزيرين في المنظمة السعودي علي النعيمي والقطري نائب رئيس الوزراء عبدالله العطية لعبا دوراً أساسياً في هذا الاتجاه. فلم يكن سهلاً إبعاد الخلافات السياسية عن تداولات المنظمة، ولكن من رافق أعمال المنظمة منذ 1977 يمكنه القول ان كل شيء تغيّر فيها. فقبل ذلك كانت المؤتمرات تستغرق أياماً بل أسابيع في فنادق جنيف أو حتى في لندن. وللتذكير ففي إحدى السنوات استمر مؤتمر «أوبك» الوزاري منعقداً في فندق «انتركونتننتال» في لندن لمدة عشرة أيام. أما اليوم فلا يمكن ان يستمر اجتماع الوزراء أكثر من يوم واحد. ولكن الأمر الوحيد الذي لم يتغيّر هو اهتمام الإعلام العالمي المرئي والمسموع بتعليقات وزير النفط السعودي لكي توزّع وسائل الاعلام على الأسواق ردود فعل ممثل أكبر دولة منتجة للنفط ولها تأثير أساسي على أسواق النفط العالمية. وتستضيف السعودية الأسبوع المقبل ندوة للاحتفال بمرور خمسين سنة على تأسيس منظمة «اوبك» يفتتحها الوزير علي النعيمي ويحضرها رؤساء شركات نفطية عالمية وخبراء عالميون في شؤون الطاقة. فقد نجحت «أوبك» في حماية مصالح المنظمة وثروة الدول فيها وأيضاً في وضع تقارير حول الاقتصاد العالمي والإنتاج والأسواق، وهي في طور تنظيم المزيد من الندوات حيث الحوار بين المنتجين والمستهلكين أصبح مفيداً وساهم في تفاهم أفضل ولو أنه ما زال يعاني من بعض الخلل خصوصاً من جانب الدول المستهلكة الكبرى التي تحاول الضغط على «أوبك». ولا ينسى من رافق أعمال المنظمة كيف حاول وزير النفط الأميركي يوماً الاتصال برئيس المنظمة خلال المؤتمر ليطلب منه عدم تخفيض الإنتاج، ولكنه سرعان ما رأى أن نتيجة المؤتمر كانت مغايرة لضغوطه.