لا يهمّ ما إذا كان فيلم «أيام خضراء» للإيرانية هانا مخملباف قد أُجّل عرضه في بيروت الى ما بعد انتهاء زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد او مُنع. لا يهمّ ما إذا كان الحَكَم قد منحه بطاقة صفراء أو حمراء لأن الفعلين وجهان لعملة واحدة تُساير السياسة فتقمع الصورة... حتى لو كانت صور «حركة خضراء» استهلكتها الفضائيات لآلاف الشبان ممن افترشوا شوارع طهران تعبيراً عن رغبتهم في التغيير إثر الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أعادت نجاد الى الحكم. المهم ان الرقابة ضربت ضربتها مجدداً. ودائماً في الحلقة الأضعف: المهرجانات السينمائية التي يُفترض عادة ان تكون معفية من مقصّ الرقيب. هذه المرة، لا خوفاً على السلم الأهلي او درءاً لمواجهات طائفية، إنما إكراماً ل «ضيف لبنان». عذر قد يجده فريق من اللبنانيين مقنعاً، خصوصاً ان عرض الفيلم يتزامن وزيارة نجاد، كما برّر الأمن العام اللبناني... فيما يراه آخرون مثيراً للسخرية... ما يعكس انقسام الشارع بين فريقين، بالتالي انقسام الشاشات اللبنانية بين مؤيد للزيارة ومناهض لها... وفي الاثناء، يتابع اللبنانيون يومياً سيركاً تلفزيونياً زاخراً بما هبّ ودبّ من برامج حوارات ومقدمات نشرات أخبار وضيوف وتقاذف سياسي واتهامات... بل يتابعون كرنفالاً سياسياً حافلاً بالألوان المتضاربة أوصل الخطاب التلفزيوني الى مستوى هابط، من دون ان يوفّر «ضيف لبنان» بنعوت وأوصاف فتحت عليه النار باكراً، وحذرته من عواقب زيارته بيروت اليوم. خطاب يتفوق في مناهضته لسياسة نجاد على فيلم «أيام خضراء» الذي تحاول فيه مخملباف الإبنة التعرف الى رأي الشباب الإيراني من الذين شاركوا في تظاهرة «الحركة الخضراء»... ومع هذا لم يتحرك أحد. ولم نسمع احداً يُطالب جدياً بميثاق شرف إعلامي يضبط سير القنوات. أمام هذا الواقع يطل السؤال ذاته مجدداً: ترى أيهما أخطر: فيلم تلفزيوني لن يشاهده إلا عشرات المهتمين بالفن السابع، أم محطات - سواء كانت مع هذا الفريق أو ذاك- تُجيّش آلاف المشاهدين اللبنانيين الأوفياء لها، وتلعب على أوتار الطائفية، معلنة ان الحرب آتية لا محالة؟ يبقى ان موقف مهرجان بيروت تجاه قرار الرقابة بتأجيل عرض فيلم مخملباف «حرصاً على مشاعر ضيف لبنان»، ليس إلا الاسم الحركي للإذعان... أو هو كما يسميه المفكر الفرنسي لابويسي في كتاب له صدر مترجماً في بيروت قبل فترة «عبودية طوعية».