مرت أيام طويلة من دون أن أجرؤ على خط سطر واحد على رغم أن الأفكار كانت تداهمني والعوالم تتزاحم في مخيلتي كل ليلة إلا أني لم أستطع أن أرسم ملامحها. أعرف جيداً أني لا أرغب في شيء بقدر رغبتي في الكتابة، لكن حتى الآن لم أستطع أن أحدد كيف يمكنني ذلك وسط جبال من الالتزامات والمواعيد والواجبات والهواجس والأمواج التي تتلاطم بعنف على صخور شواطئي. أعرف جيداً أن خلاصي الوحيد يستوطن السطور، لكن لا أعرف كيف أنفذ إليها، لا شيء يريحني بقدر ما تريحني الكلمات عندما ترتسم وروداً وأشواكاً، إلا أن نفسي تزدحم بما يمنع تسربها الى الخارج. قرأت قبل عام كتاباً رائعاً لم أعد أذكر كاتبه لكني أذكر جيداً عنوانه: «forgive is the best health for all». أعجبت بالكتاب وبالقيم التي يحملها إلا أني لم أستطع تطبيق ما فيه، إنه يدعونا الى التسامح بلا حدود، يدعونا الى مسامحة كل من أساؤوا إلينا يوماً ما سواء عن قصد أو من دون قصد، يعلمنا أننا عندما نسامح الآخرين لا نقدم لهم خدمة كما نعتقد بقدر ما نقدم أفضل وأعظم خدمة لأنفسنا، وأننا عندما نتمسك بعدم السماح لا نؤذي أحداً بقدر ما نؤذي أنفسنا ونملأها بالأشواك والأسى والحزن والألم. بعد عام كامل قررت أن أمارس علاج التسامح، وأن أوقظ كل الذكريات الأليمة وكل الجراح لأعالجها للأبد، قضيت ليالي طويلة وأنا أتذكر تضاريس مظلمة ولحظات مهينة وأتأمل شريطها وأنا أعلن أني أشهد الله أني سامحت من أعماقي من رسمها. لم أكن أعرف كيف ستكون نتيجة هذا العلاج، لكن بعد مرور الأيام شعرت بسكينة افتقدتها منذ زمن تتسلل إلى أعماقي، اكتشفت في لحظات كثيرة أنني كنت بحاجة لأسامح نفسي حتى أستطيع النهوض. وأخيراً نظرت إلى المرآة وأعلنت للمرأة التي تقف هناك أني أسامحها على كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي استوطنت أدراج ذاكرتي. بدأت أتعلم أن أكنس حجرات قلبي جيداً قبل أن أنام، عندما أغسل ما علق بالذاكرة بالتسامح. قد يطول العلاج لكن نظرتي الى نفسي والآخرين أصبحت الآن أنقى.