في الأشهر الأخيرة، لم يشتد القلق بالمسؤولين الغربيين من برنامج ايران النووي، على رغم أنهم لا ينظرون بعين الرضى الى حيازة ايران القنبلة النووية. ولعل طمأنينة قادة الغرب مردها الى ما قاله أحدهم: «خطونا خطوات ناجحة على طريق تعطيل مشروعهم (النووي)». وفي الأسبوع الماضي، بلغ وسائل الإعلام خبر اصابة اجهزة كمبيوتر القطاع الصناعي الإيراني بفيروس، واشتكت الحكومة الإيرانية من تعرضها ل «حرب الكترونية». ففيروس «ستاكسنت» أصاب أكثر من 30 ألف كمبيوتر بإيران. وأثر الفيروس في مشروع ايران النووي غامض. ولكن خبراء الكمبيوتر يرون أن إطلاق فيروس مركب ومعقد مثل «ستاكسنت» يحتاج الى قدرات حكومية. وتحوم الشبهات حول اسرائيل. ولكن ثمة أجهزة استخبارات كثيرة تسعى في عرقلة المشروع النووي الإيراني. وفي 2010، أنشأت الولاياتالمتحدة وحدة رقمية لحماية شبكاتها الإلكترونية من الهجمات. والهجمات الرقمية هي فأل خير وعلامة شؤم، في آن. فمثل هذه الهجمات يسعها تعطيل قدرات العدو أو الخصم العسكرية والصناعية من غير خسائر بشرية ومادية كبيرة. ولكن مسؤولين غربيين لا يخفون قلقهم من ضعف دفاعاتهم الإلكترونية. فالهجمات الإلكترونية هي سيف ذو حديّن يسع الخصوم أو القراصنة الإلكترونيون استلاله ساعة يشاؤون. وإلى حين وقوع هجمات «ستاكسنت»، كانت الهجمات الرقمية على استونيا، في 2007، هي الأبرز. ويومها، وأثناء نزاع «عاطفي» على الذاكرة مع روسيا، لم يستطع الأستونيون اختراق شبكة الإنترنت. وفي 2003، رصد البنتاغون سلسلة هجمات الكترونية تعرضت لها مواقع اميركية حكومية حملت اسم «تايتن راين». ويومها، وجهت واشنطن أصابع الاتهام الى الصين. والهجمات الإلكترونية الصينية والإيرانية والإستونية هي، الى اليوم، متواضعة الأثر، ولا ترقى الى حرب رقمية شعواء. ويُحذّر عدد من المحللين الغربيين من اندلاع مثل هذه الحرب، وأبرزهم ريتشارد كلارك مسؤول مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض الذي دق ناقوس الخطر محذراً من هجمات ال «قاعدة» قبل حوادث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). ويُنبّه كلارك الى مخاطر شن هجوم قوي يعطل شبكة الكهرباء على ساحل الولاياتالمتحدة الشرقي وشبكة البريد الإلكتروني وعمليات ضبط الملاحة الجوّية، ويُغلق المصارف، ويخرّب نظام دفع الأموال الإلكتروني. ويدعو خبراء عسكريون الى إنشاء جهاز دولي لتنظيم العالم الرقمي. ويقارن بعضهم بين الحرب الرقمية وعهد صناعة الأسلحة النووية الأولى، قبل ابرام اتفاقات الحد من انتشار سلاح الدمار الشامل والرقابة عليه. والحق أن الخطر الرقمي مستجد وطارئ. ولم يُتعارف بَعد على معايير تحديد قوة الهجمات وسُبل الرد عليها. ولكن المقارنة بسباق التسلح النووي ليست في محلها. فهي تُطمئن المخاوف، في وقت لا شيء يبعث على الطمأنينة. وأدوات الهجوم الرقمي هي في متناول أي كان في المتاجر العادية، على خلاف الأسلحة النووية، وهذه تحوزها دول ولم تستخدم منذ 1945. وقد تكون غرفة نوم مقر قيادة الهجوم. وفي العام الماضي، اخترق غاري ماكّينون، وهو شاب بريطاني يعاني من التوحد، شبكة كمبيوتر البنتاغون حين كان يبحث على الشبكة عن معلومات تتناول الصحون الطائرة. ويطالب الأميركيون السلطات البريطانية بتسليمهم ماكّينون. وتقض أجهزة الاستخبارات الأجنبية ويقض أمثال هذا الشاب المتوحد مضاجع المؤسسة العسكرية الأميركية. ولكن هل يُذلل الخطر الإرهابي من طريق انشاء شبكة تنظيم دولية؟ ففي الأعوام الأخيرة، كانت روسيا والصين من أبرز الداعين الى اتفاقات دولية جديدة لتنظيم الحيّز الرقمي. وتتردد القوى الغربية الكبرى في النزول على طلب بكين وموسكو. فهم يطعنون في النوايا الروسية والصينية. وهم ليسوا على يقين من امكان ضبط العالم الرقمي. ويبدو أن أميركا مطمئنة الى مكانتها في العالم الرقمي. فقدراتها التقنية الأمنية المتطورة على وقع مستجدات الأبحاث الدقيقة لا يستهان بها. ولا تتوانى دوائر الحكومة الصينية عن استخدام برامج الكترونية مقرصنة. والبرامج هذه هي موطن ضعف يتهدد أنظمة الحكومة الصينية الرقمية. * مُعلّق، عن «فايننشال تايمز» البريطانية، 5/10/2010، اعداد منال نحاس