«كما تلقى اللحمة أمام القط». عبارة لم تستحسنها الناشطات الإيرانيات لتوصيف الإختلاط والعلاقة بين الجنسين، فثنائية «اللحمة» و «القط» لا تليق بالمرأة والرجل على حد سواء. وغياب الإستحسان الذي جاء مصحوباً بالقلق من قبل النساء، يرافقه قلق من نوع آخر من رجال الدين ومنهم حجة الإسلام فضل علي صاحب هذه العبارة المحتجة على الاختلاط في الجامعات والمؤسسات، باعتباره المسؤول عن كثير من المشكلات التي يواجهها المجتمع الإيراني، وبينما تتعالى حدة النقاش في شأن الموضوع لا يغيب البعد السياسي عن القضية، فالجامعات هي محور هذا الحديث، وهي هدفه، بخاصة مع ما قامت به من دور في حالات الاحتجاج التي شهدتها إيران على مدى السنوات الماضية. لا يعد علي رجل دين بعيداً من الفضاء الجامعي، فهو ممثل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي في جامعة «خواجه نصير طوسي»، وهو مطلق مراكز «البحث عن شريك» في عدد من الجامعات الإيرانية، وإضافة إلى حكاية «اللحم الذي يرمى أمام القط» يطيب لعلي أن يصف الأوضاع الفعلية بين الشباب على مقاعد الدراسة ب «الفضيحة». يدافع علي عن خطته المطالبة بالفصل بين الجنسين في الجامعات بالقول إن 90 في المئة من الطلاب والطالبات، المتدينين وغير المتدينين على حد سواء لديهم صداقات مع الجنس الآخر. ويرى أن الفضاء السليم هو الفضاء المشابه لفضاء الحوزات العلمية وهو أفضل بكثير من الجامعات بسبب أحادية الجنس. وإن كان لهذا الرأي مؤيدوه في المؤسسات التشريعية والتنفيذية إلا أن أعضاء في مجلس الشورى رأوا فيه تعميقاً للمشكلات التي تعانيها الجامعات الإيرانية بل وإضافة مشكلة جديدة لها. والفصل بين الجنسين في الجامعات الإيرانية ليس قراراً حديث العهد بل رافقها منذ أن فتحت أبوابها بعد الثورة، لكن تطورات الأوضاع والزيادة الكبيرة في عدد الطلاب، وعدم كفاية الكوادر التدريسية جعلت من غير الممكن تحقيق الفصل المطلوب، فتم التوافق على إحداث الفصل في المكان الواحد بحيث يجلس الذكور في المقدمة والفتيات في مؤخرة قاعة المحاضرات، أو أن يأخذ الذكور الجانب الأيمن والإناث الجانب الأيسر. وخلال فترة حكم الإصلاحيين التي استمرت ثماني سنوات تم النظر إلى مسألة الفصل على أنها سياسة غير واقعية، ولا تأثير لها في صون المجتمع وعفافه، ولذلك فقدت هذه السياسة الكثير من صرامتها. وعادت قضية الاختلاط إلى واجهة النقاش مع الدورة الأولى من رئاسة محمود أحمدي نجاد، وتواصل الحديث في شأنها إلى اليوم، لكن المسألة بدأت تتجاوز النقاش لتأخذ طابعاً اجرائياً عبر خطوات بدأت الحكومة تطبيقها للفصل بين الجنسين، معتقدة أن العديد من المشكلات الإجتماعية تستمد قوتها من مسألة الإختلاط. وعلى رغم عوائق تطبيق ذلك إلا أن الحكومة ترى أن من «الأفضل إجراء الفصل للوصول إلى مجتمع سليم ونظيف». لكن النساء ترى أن ذلك من شأنه تعزيز العنف ضد المرأة ومنه العنف الجنسي، فسياسة الفصل تعامل المرأة على أنها «شيء جنسي ترى تجلياته بصورة دائمة في أعين الرجال ومن خلالهم»، وفي أجواء كهذه سيتم استخدام العنف بحق المرأة مع كل فرصة تسنح بذلك. ولا تخفي استاذة علم الإجتماع شهلا إعزازي دهشتها من تشبيه الفتاة الإيرانية ب «اللحمة» والشاب الإيراني ب «القط»، كما لا تخفي تعجبها من تلك النظرة التي تغلب الجانب الجنسي على كل الفعاليات الإنسانية وتستخدمها للحكم والمحاكمة. وفي وقت أبدت فيه المرأة الإيرانية شوقاً كبيراً للتعليم، اذ أنها تتفوق في نسبة التحاقها بالجامعات على الذكور لتصل إلى أكثر من 70 في المئة، فإن فلسفة «اللحمة و القط» لا تخدم سوى الحالة التهاجمية في العلاقة بين المرأة والرجل، في شكل يصور العلاقة وكأن الرجل يتهيأ للإنقضاض على فريسته كلما سنحت له الفرصة، ولذلك فالمرأة «اللحمة» يجب أن تبقى بعيدة من الرجل «القط». لكن ذلك لن يؤدي في النتيجة «الا إلى تقوية سطوة الغريزة الجنسية «في مجتمع غالبيته العظمى من الشباب. ويطرح الكثير من الأسئلة عن سياسة الفصل هذه وإلى أين ستصل، فإن كان تطبيقها في الجامعات ممكناً، فكيف ستتعامل الحكومة الإيرانية مع الناس في الشوارع؟ وإن كان الأمر متاحاً في وسائل النقل بتخصيص أماكن للنساء، بل وسيارات أجرة خاصة للنساء وتقودها نساء، فهل سيكون ذلك متاحاً في الجوانب الإجتماعية والثقافية الأخرى، وهل ينذر ذلك بإجراءات مقيدة بحق السينما الإيرانية وغيرها من الفضاءات؟ وهل ستنجح الحكومة في إقامة حصار وبناء جدار للفصل في كل مكان؟ وعلى رغم تحذيرات علماء الإجتماع في إيران من تبعات هذه السياسة على العلاقة بين الجنسين بصفتهما كائنات انسانية تعيش في مجتمع واحد، ترى وجهة النظر الأخرى أن الأمر يجب أن يصل إلى المناهج الدراسية فتقدم مناهج خاصة بالفتيات تركز على دورهن الأنثوي ويتم تحضيرهن كزوجات مستقبليات. وترى حركة المعارضة في إيران أن هذه الإجراءات مقصود منها افتعال قضايا فرعية لصرف نظر الطلبة عن القضايا السياسية الحساسة. لكن مؤيدين للحكومة ومنهم النائب في مجلس الشورى زهرة الهيان تتحدث عن «الأيدي الخفية لنشر الفساد والإنحلال الأخلاقي بين الطلبة في الجامعات» كما تتحدث عن «شبكات منظمة للإعداء لمواجهة الجمهورية الإسلامية من خلال الترويج للرذيلة في الجامعات». اما أول وزيرة في إيران بعد الثورة الإسلامية مرضية دستجردي فلا تخفي حماستها لفكرة الفصل، بل وقدمت اقتراحاً بالفصل بين الجنسين في المراكز الصحية والمستشفيات ورأت فيه تمييزاً إيجابياً لمصلحة النساء. أما الفتوى وهي التي تفعل فعلها في مثل هذه القضايا فلم تغب بدورها عن ساحة الجدل، اذ قام حجة الإسلام والمسلمين محسن محمودي وهو أحد أئمة الجمعة باستفتاء 11 مرجع تقليد من مراجع التقليد المعروفين ومن بينهم السيد علي السيستاني والسيد علي خامنئي في شأن مسألة الاختلاط بين الذكور والإناث في أماكن التعليم، وعلى رغم بعض الاختلافات في إجابة هذه المراجع في شأن بعض التفاصيل إلا أنها أجمعت على حرمة الإختلاط ورأت وجوب إبقاء مسافة بين الذكور والإناث، بل ورأت أن إحداث الفصل يأتي من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.