شهد الشعر العربي القديم والحديث غزلاً كبيراً بحسن القمر وجماله، ولم يسلم هذا الكوكب «العاكس» من أن تطاوله يد الخرافة، إذ انتقلت عدوى الخرافات من جيل إلى جيل، جعلت منه واحداً من صور الرعب التي ينفر منها الناس، بل وما إن تعلن أية ظاهرة فلكية مرتبطة به إلا وتتحول إلى حديث الشارع، والظاهرة الكونية التي حدثت مساء أمس، بعد أن ظهر بحجم زائد عن المعتاد بنسبة 14 في المئة، وما كان يطلق عليها «بدر البدور» أعادت هذه الخرافات المرتبطة بالذاكرة المحلية. ويرى باحثون أن «هذه الخرافات والقصص الوهمية المنسوجة عن القمر، كانت وماتزال مرتبطة بعلاقة الضوء والظلام، وخوف الناس العاديين من أن يفقدوا الضوء الوحيد في ذلك الزمان قبل أن تحل الكهرباء محله، ومخاوفهم من الظلام وما يرتبط به من قصص الرعب كان سبباً في تعلق العقلية المحلية بالقمر ونسج قصص وخرافات عنه، كونه محل الاهتمام». ارتبطت قصة منع النساء الحوامل من أن ينظرن إلى القمر في لحظة خسوفه، بهذه الظاهرة الفلكية الطبيعية، بل إن المرأة الحبلى التي تشاهد هذه الظاهرة مصادفة ومن دون قصد تعيش حالاً نفسية سيئة، فسرتها مريم العميرين (71 عاماً) بقولها: «كانت أمهاتنا يحذرننا من أن نشاهد القمر أثناء حدوث الخسوف، لأنه يؤثر في صحة الجنين، ويمكن أن يولد مشوهاً أو يفقد بعض أعضائه، أو يصاب بشيء في عقله». وتقول: «أذكر أننا كنا نختبئ في الغرف ولا نخرج منها طوال تلك الليلة، وإذا اضطررنا إلى ذلك خرجنا منكسات الرؤوس أو نضع غطاء على أعيننا»، مضيفة «كانوا يؤكدون لنا تأثير القمر حال خسوفه في الجنين؛ لأنه في حال غير طبيعية، فهو يفقد جزءاً منه، والطريف أنهم كانوا يقولون لنا إن حوتاً كبيراً كان يأكل القمر فيؤثر سلباً فينا». وتعود هذه الخرافة إلى العصر الأزتكي، إذ كانوا يعتقدون أن الخسوف بمثابة عضة في وجه القمر وإذا رأته الأم الحبلى فسيحدث لطفلها الشيء ذاته، وكانوا يرغمون الأمهات على حمل شيء معدني؛ مثل دبوس أو قلادة، لحماية الطفل من هذه العضة التي تصيب شفتيه، بيد أن العلم فند هذه الخرافة، وأوضح أن الإصابة بتشققات الشفاه نتيجة للعوامل البيئية والوراثية وليس لها علاقة بالكواكب أو أشكالها. ولا تنحصر الخرافات المرتبطة بالقمر في مجتمعنا المحلي أو حتى العربي، بل تتعداه لتصل إلى أوروبا، وفيها تنشط أسطورة سائدة بأن إجراء الجراحات ينبغي أن يتم ربطها بمواعيد محددة وفق توقعات فلكية معينة، يربط أنصار هذه الخرافة بين تأثير القمر العملاق في المد والجزر بالمحيطات بإجراء العمليات خلال هذه الظاهرة، ويؤكدون أن مخالفة هذا التحذير يعد «مغامرة كبيرة لا تحمد عقباها». ونشرت مجلة «علم التخدير» دراسة تبيِّن أن القمر لم يكن له تأثير في نتائج 18 ألف جراحة تم إجراؤها بين 1993 إلى 2006 في عيادة كليفلاند، كما أن تأثير القمر في سوائل الجسم ضئيل للغاية ويكاد لا يذكر، بل إن دراسات طبية أكدت أن من الأكثر أماناً أن تجرى جراحات القلب خلال اكتمال القمر، إذ أظهرت الدراسات أن النتائج كانت أفضل، وفترة المكوث في المستشفى أقل، ولا يستطيع الخبراء تأكيد أسباب ذلك. ويستند مؤيدو تأثير اكتمال القمر بما يعرف بظاهرة «بدر البدور»، إلى رأي الأطباء البيطريين الذين يشيرون عبر دراساتهم عن تأثير هذه الظاهرة في الحيوانات، ومنها القطط، والكلاب، إذ تفزع في شكل كبير أثناء حدوث هذه الظاهرة، ويعتقدون بأن لها تأثيراً نفسياً فيها، ويرجع مناوئو هذا الرأي هذه الظاهرة إلى زيادة الإضاءة في الليل، ما يجعل الحيوانات تميل إلى البقاء مستيقظة لتتأمل في هذه الهالة الضخمة، وربما تتسبب في مشكلات أثناء ذلك. فيما قدَّر باحثون زيادة نشاط الأطفال خلال اكتمال القمر وظهوره في شكل عملاق بنسبة لا تتجاوز واحداً في المئة فقط، وهي نسبة لا تعتبر ذات مغزى سريري، ليفند بذلك الاعتقاد السائد بأن القمر العملاق والمكتمل يزيدان نشاطهم ويؤخران وقت النوم لديهم، بيد أن الاختبارات النظرية أثبتت أنها خرافة. يسعى المتعلقون بخرافات القمر إلى إحداث طقوس علاجية لمجابهة الظواهر الفلكية التي تصيبه، ففي مجتمعات تزدحم سماء قرى بطلقات الرصاص لإبعاد شر القمر العملاق، بينما يعمد آخرون إلى الصياح والولولة، ومجتمعات يدقون الهاون النحاسي، وآخرون يحدثون ضجيجاً بالأواني المعدنية، بينما تعمد مجتمعات إلى الرقص لإنهاء هذه الأزمة، إلا أن الدين والعلم اجتمعا على أن هذه السلوكيات والاعتقاد بها هي من الجهل والخرافة لا أكثر. قابل انشغال الذين يلاحقون خرافة القمر، انشغال الفوتوغرافيين بتوثيق هذه الظاهرة، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي ورش عمل ودروس في الطرق المثلى لتوثيق هذا الحدث، الذي بات يشغل اهتمام الفوتوغرافيين، الذين يتحدون الخرافة بصور منافسة ازدحمت بها مواقع التواصل الاجتماعي، والرسالة غير المباشرة تقول: «العدسة تحارب الخرافة».