الأحد 3/10/2010: طبيعة الوقت لعبتنا ولا يسعف الجسدان، مثلما نتسلق جبلاً ولا نصل إلى التلة. لعبة الوقت نحن، حين تعود الأرض جرداء، بحفيف المناجل وغناء . وحدها عصافير البيادر الصغيرة عند قوائم البقرات أو فوق غرة الفرس. أول البرد ليلتئم الجسد، والبيت دفء وحب. ننهض من البكاء، نتأكد، ونشكر النعمة. الطريق تراب والبيت من طين وقش، والأزهار يابسة في خزانة الثياب. لا بد من سماء لنشعر بوجودنا الأرضي، ولا بد من أرض لنضرع الى السماء. الاثنين 4/10/2010: وادي اليهود تقارب ندى عبدالصمد اجتماع يهود بيروت بسياقات قصصية واقعية في كتابها «وادي أبو جميل» (منشورات دار النهار - بيروت 2010)، والذي أنتج في فيلم وثائقي عنوانه «يهود لبنان: الولاء لمن؟». الكتاب ذو الملمح الإنساني يأتي في سياق حنين الى بيروت قبل مسلسل الحروب الأهلية (1975) مؤكداً حرية العمل والاعتقاد في لبنان الحديث، التي لم تستطع الحروب أن تطويها وإن حدّت منها نسبياً مع الاستقطاب داخل الطوائف الكبرى الأشبه بديكتاتوريات متجاورة في وطن. والكتاب يفتقد سياقين هما في متناول الكاتبة: الأول هو المثقفون اللبنانيون اليهود الذين ظهروا في أحزاب ومنابر، مثل جوزف طراب الممثل والناقد التشكيلي الأكثر إقامة في وطنه، وسليم تركية (يوقع باسم سليم نصيب) الذي نشط في اتحاد الشيوعيين اللبنانيين وأصدر في باريس روايات ذات سند واقعي، واحدة عن أم كلثوم وأخرى عن علاقة غرامية بين غولدا مئير الشابة وفتى لبناني من آل فرعون، كما كتب عن عيش اليهود اللبنانيين رواية في عنوان «اللامرئي». والسياق الثاني الذي يفتقده الكتاب هو مجتمع اليهود اللبنانيين في مدينة مونتريال الكندية وترجحه بين الاندراج في نشاطات الجالية اللبنانية أو الابتعاد عنها، هناك يظهر الانتماء بوضوح، ويستغرب الكثيرون سؤالك: لماذا لم تذهبوا الى إسرائيل؟ مبعث الاستغراب مزيج من استعلاء اللبناني على الإسرائيلي، والتمسك بوطن متعدد يثقون في أنه باق على رغم الصعاب. الاهتمام باليهود اللبنانيين يحتاج الى أكثر من كتاب وفيلم، وهو يندرج في اهتمامات عربية بالمواطنين اليهود الذين دفعوا مع الفلسطينيين ثمن إنشاء إسرائيل والصراع المديد معها. تجد هذه الاهتمامات في مصر والعراق حيث جاليتان حاضرتان في الإدارة والمجتمع في إسرائيل، في حين أن يهود لبنان هاجروا مثل غيرهم من المواطنين هرباً من الحروب الى الأماكن نفسها: أوروبا وأميركا الشمالية. «وادي أبو جميل» في بيروت له اسم آخر أيضاً هو «وادي اليهود»، وفي هذا الوادي نشأ جيلبير طراب وأكمل تعلّمه في فرنسا، حيث خطب في عام 1968 مناهضاً إسرائيل. يقول الأصدقاء إنه يظهر هذه الأيام في مقاهي سان دوني في مونتريال بصحبة يساري لبناني مثله يعلنان، في ما يشبه اليقين، ان فلسطين ستتحرر من البحر الى النهر. الثلثاء 5/10/2010: فتنة «الفتنة» شجرة متوسطة الحجم، أوراقها مثل أوراق الأكيدنيا لكنها ملساء، وثمرها زهرة بأوراق بيضاء ناصعة مع وشم أصفر قليل... هكذا عرفنا الفتنة ونعرفها في حدائقنا، وأهديناها لأحباء وأصدقاء، ووضعناها مع الماء في مزهريات الصالون والشرفة. وكنا قرأنا كلمة «الفتنة» في كتب التاريخ وفي كتاب طه حسين الساحر «الفتنة الكبرى» واكتفينا. ولكن، مع تزايد قوة إسرائيل حارسة التخلف العربي، وتقطع تواصلنا مع أوروبا، وانهيار الدولة العربية الحديثة لمصلحة هيئات ما قبل دولتية، صعدت الى السطح كلمة «الفتنة»، وتزايد حضورها في لبنان خلال الشهرين الأخيرين من باب التحذير: الفتنة الوافدة ليست ابنة شجرة وحديقة، إنها نتاج تاريخ مسموم وأحقاد تتخذ شكل الأيديولوجيا. أطللت من الشرفة على الحديقة، رأيت شجرة الفتنة وقد أنبتت سكاكين لا أزهاراً. الأربعاء 6/10/2010: الى اسطنبول تلك الليلة وعيد الخراب، يطلقه، بالصوت والصورة، زعماء يدخلون بيوت الناس من شاشة التلفزيون. ماذا يقول المواطن اللبناني في صباح اليوم التالي؟ يخاطب من لا يستطيع تسميتهم: يا تجار السياسة المتعجلين الضيقي الأفق الرابحين من خسارتنا، الخاسرين أمام الآخرين. أيها المنصّبون أسياداً بلا سيادة، يا تجار السلاح والجثث المسماة شهداء. قدتمونا من حرب الى حرب الى حرب وسلامنا هدنات. من القاهرة (الاتفاق مع «فتح» وإعطاؤها سيادة على جزء من الأراضي اللبنانية)، الى الطائف (نقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً، بحيث صار هذا المجلس برلماناً مصغراً وفقد مجلس النواب مبرر وجوده، فهو ملجأ شخصيات من الدرجة الثانية يحصلون على رواتب شهرية من الدرجة الأولى ويرهقون الموازنة)، الى الدوحة (حكومة اتحاد وطني ملزمة، بحيث يكون قرار السلطة التنفيذية حصيلة تفاهمات محلية وإقليمية ودولية. اي الدخول في الشلل، أي الفشل). يطلق أولئك المنصّبون زعماء وعيد الخراب، غير عابئين بإعمار وبنهضة وأحلام وبإحساس بالمواطنة بنبت حتى من شقوق الصخر. قيل إن الخراب الآتي سياسي وقيل إنه مادي، ليكسب الزعماء المنصّبون شرعية المحاربين، ثم يتوجهون في طائرة واحدة الى اسطنبول. الى اسطنبول ايها السادة، تعبرون فوق دماء الأبرياء وجنى أعمارهم وحطام ذكرياتهم وأحلامهم، وتتذكرون هناك اسمها التليد: الآستانة. تتعاملون مع جديدها الذي يتجاوز فرمان الملل العثماني، موقعين اتفاقاً يتجاوز العالم العربي الى الإقليم، وتحملون إلى أبنائكم كتباً لتعلم الفارسية والتركية من دون معلم. ومن خلفية المشهد صرخة إبراهيم اليازجي: تنبهوا واستفيقوا ايها العرب فقد طما الخطب حتى غاصت الركب تلك الليلة وما بعدها. وعيد الخراب في التلفزيون، سجله مواطن وقرر رفع دعوى قضائية على من أطلقه، حائراً الى أي جهة يقصد: القضاء اللبناني المتخلي عن صلاحياته، أم المحكمة الدولية التي يشكك البعض في صدقيتها. أم انه يتوجه الى الله، لأن الشكوى الى غيره مذلة؟ الخميس 7/10/2010: حارسة الحلم ليلة فيروز. الحضور يسمعون صوتها الحارس، ليحفظوا وجدان ما قبل التلوث والفساد والخديعة. كانوا أشبه بجماعة تخاف الانقراض، بسكان أصليين يجتاحهم غزاة من الغرب والشرق. حارسة الحب والحلم والشجرة والبيت في الأعالي، سمعها في بيروت لبنانيون وعرب وأجانب. أعرف اصدقاء أتوا لليلة أو ليلتين من أجل فيروز. التقيت أحدهم فأصرّ على عدم الحديث عن التوتر في لبنان. قال إنه يغمض عينيه ويصم أذنيه إلا عن رؤية فيروز وسماعها. يكفيه ذلك ويحاول عدم تعكيره بكلام مسنن وبخطباء ذوي اسنان بارزة مثل مصاصي دماء. جددت فيروز الحلم وأنها حارسة لبنان، استثناء شرقياً يحبه ويحافظ عليه لبنانيون وغير لبنانيين، فيما يعمل على تعكيره أو تحطيمه لبنانيون وغير لبنانيين. «إيه في أمل»: نعم هناك أمل. رسالة السيدة للحياة وضد الموت ووعيده في مانشيتات الصحف وأخبار التلفزيون. لم يحضر زياد الرحباني. كانت موسيقاه حاضرة وغامرة. المصريون الذين أتوا خصيصاً للمناسبة، أحسوا بما أحسسنا ورددنا: أن زياد هو سيد درويش المتجدد، معهما تشعر أنك مشارك في إبداع الموسيقى، وأنهما أمسكا معاً القرن العشرين العربي من مبتداه الى منتهاه، ليكون الزمن زمننا.