المتابع للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بشقه الذي تقوده منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بالسلطة الوطنية يلاحظ تراجع الملفات الأساسية عن طاولة الصراع، مثل اللاجئين والعودة والقدس والحدود والمياه والسيطرة الأمنية والسيادة. واتخذت قضية المستوطنات الصدارة، حتى أن المسار السياسي للسلطة ارتبط وجودياً مع وقف الاستيطان، فلا تفاوض دون وقف الاستيطان، وفي حال تعثر المسار السياسي فإن الظروف السياسية السائدة ستقود إلى انتفاضة جديدة لن تكون انتفاضة أقصى أو لاجئين بل انتفاضة مستوطنات وحواجز. وهنا السؤال: اختصار الصراع بحرب الاستيطان هل يصب ضمن المصلحة الوطنية ولمصلحة المعركة مع إسرائيل؟ عند انطلاقة الثورة عام 1965 رفعت شعار كامل التراب الوطني، ومع المسيرة الشاقة انتقلت الثورة من منطلق الواقعية والبراغماتية إلى مرحلية الصراع والقبول بالدولة الفلسطينية على حدود حزيران 1967. إن الانتقال إلى مرحلية الصراع كان استجابة لتطور الفكر السياسي ونتيجة النظرة الواعية المتبصرة للمعطيات الآتية: - الواقع الذاتي - طبيعة العدو - الظروف الموضوعية - طبيعة الصراع فالظرف الذاتي يتمثل بالشعب الفلسطيني ضعيف الإمكانات والتسليح. العدو: المجهز بأحدث أدوات وإمكانات الصراع. الظروف الموضوعية: التي تتمثل بالبعد العربي والإسلامي الضعيف والمشرذم للشعب الفلسطيني، وإسرائيل المدعومة عالمياً. طبيعة الصراع: التي تقتضي بأن حربنا مع العدو الإسرائيلي هي حرب إرادات، فمن يكسر إرادة الآخر ينتصر، وإذا كان من غير الممكن هزيمة الدبابة الإسرائيلية ضمن موازين القوى إلا أننا نستطيع كسر إرادة المقاتل الإسرائيلي وهزيمة المجتمع الإسرائيلي. أمام ذلك هل يستطيع الشعب الفلسطيني المسلح بالإيمان والمحدود الإمكانات والبعد العربي والإسلامي فتح جبهة كاملة للصراع تشمل كامل جوانب الصراع، وحتى لو استطاع فتح هذه الجبهة هل سيستطيع الصمود. من هذه الجدلية تم تقسيم الصراع من منطلق الواقعية ومعرفة المقدرة الذاتية ومقدرات العدو إلى مجموعة من الملفات تمثل جوانب الصراع وثوابت القضية الفلسطينية هي الحدود والدولة والقدس واللاجئين. وبذلك يقوم الشعب الفلسطيني بتجزئة العدو ومن ثم يكرس كل إمكاناته في أحد جوانب الصراع في فترة زمنية تاريخية بقصد تحقيق مكسب هنا وهناك وكسر إرادة العدو. فالقدس في حاجة إلى انتفاضة والحدود والحواجز في حاجة إلى انتفاضة أخرى والسيادة في حاجة إلى انتفاضة وتفاوض، والعودة واللاجئين وهي عقدة الصراع في حاجة إلى ثورة عارمة بكل مكوناتها السياسية والحربية والشعبية، فمن الواجب جر العدو ليحارب بطريقتنا دون أن نحارب بطريقته. وبالتالي ذهاب الصراع إلى زاوية الاستيطان لا يعتبر اختصاراً للقضية الفلسطينية بل هو استجابة للطبيعة السياسية والعقلية البراغماتية في مرحلة آنية وتركيز الإمكانيات ضمن هدف واحد. فحرب الاستيطان مواجهة تكتيكية في معركة إستراتيجية طويلة وشاقة.