في زيارة لأرفع مسؤول صربي منذ انهيار يوغسلافيا التيتوية وصل وزير الخارجية الصربي فوك يرميتش فجأة الى دمشق الأربعاء ما قبل الماضي (13/5/2009) والتقى بالرئيس بشار الأسد ونائب الرئيس فاروق الشرع ورئيس مجلس الشعب محمود الأبرش ووزير الخارجية وليد المعلم. وفي الواقع ان الأمر يتعلق بالتحضيرات لاجتماع وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي يعقد في دمشق نهاية هذا الأسبوع. ويبدو انه قد وصلت الى بلغراد أخبار تقول بوجود مشروع قرار أعدته المملكة العربية السعودية يدعو العالم الإسلامي الى الاعتراف بكوسوفو، ولذلك فقد أرسلت بلغراد بسرعة وزير الخارجية يرميتش لعمل ما يمكن عمله لإفشال التصويت على هذا المشروع. وكانت المملكة العربية السعودية قد اعترفت قبل أسابيع باستقلال كوسوفو، وهو ما ترك صداه الكبير في العالم الإسلامي وغير الإسلامي حيث ان كوسوفو قبلت بعد أيام عدة في صندوق النقد الدولي («الحياة» عدد 1/5/2009). وبالاستناد الى ما ورد في الصحافة السورية («تشرين» 14/5/2009) فإن الوزير الصربي يرميتش عبر «عن امتنان بلاده للدعم الذي تلقاه من سورية للدفاع عن مصالحها وسيادتها الوطنية». ومع أن هذا التعبير ورد في شكل أوضح في الصحافة الصربية كما سنرى، الا انه كان الإشارة الوحيدة الى ان دمشق تدعم صربياً في «سيادتها الوطنية» التي تشمل كوسوفو وفق المفهوم الصربي. وفي ما عدا ذلك كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم الوحيد الذي اشار الى ان «نظيره الصربي اطلع القيادة السورية على الوضع في كوسوفو». «راديو وتلفزيون صربيا» RTS في نشرته الإلكترونية (13/5/2009) قال: «سورية الى جانب صربيا ضد استقلال كوسوفو». وفي التفاصيل ورد ان وزير الخارجية يرميتش صرح بمناسبة زيارته سورية «أن صربيا بمساعدة سورية تعمل على عرقلة قرار تدعمه السعودية في منظمة المؤتمر الإسلامي لدعم استقلال كوسوفو». وبعد اجتماعه مع الرئيس الأسد صرح يرميتش لوكالة «فونت» الصربية أن «بلغراد ودمشق تتفقان تماماً في ما يتعلق بالاستقلال المعلن من طرف واحد في كوسوفو، وان سورية تدعم الجهود الديبلوماسية لصربيا للحفاظ على سيادتها ووحدتها». ومن المفهوم ان «الوحدة الترابية» لصربيا بحسب فهم بلغراد تشمل كوسوفو أيضاً. وقد اضاف يرميتش «ان موقف سورية مهم لأن هناك مجموعة من الدول تقودها المملكة العربية السعودية تسعى الى طرح مشروع قرار يدعو العالم الإسلامي للاعتراف باستقلال كوسوفو»، وأوضح أخيراً ان السبب الرئيس لزيارته الى دمشق «هو افشال هذا التصويت على مشروع القرار المذكور. وفي هذا السياق أوضحت الصحافة الصربية ان صربيا تحاول «ان تدفع مجموعة من الدول الأعضاء بقيادة سورية الى إدخال تعديلات على مشروع القرار حتى يكون مقبولاً بالنسبة الى صربيا». ويلاحظ هنا ان الصحافة الصربية قد حولت الأمر الى ما يشبه الحملة على السعودية بسبب مشروع القرار المذكور، وأوضحت انها نجحت في استقطاب سورية (مع الدول التي تمون عليها) ضد مشروع القرار السعودي. ولكن مصدراً في وزارة الخارجية الألبانية أوضح ل «الحياة» أن الأمر يختلف تماماً عن ما تثيره الصحافة الصربية. فمشروع القرار المذكور كانت قد اقترحته البانيا في جدة قبل شهر خلال الإعداد لاجتماع وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي، وان مشروع القرار هذا حظي بدعم سعودي نظراً الى ان السعودية كانت قد اعترفت بكوسوفو، كما حظي بدعم سوري غير متوقع مقابل التحفظ المصري عليه. ومن هنا فإن هذا المصدر الديبلوماسي الألباني يتوقع ان زيارة يرميتش الى دمشق كانت تهدف الى تغيير الموقف السوري «وربما تكون قد نجحت في ذلك». وكان يرميتش قد جاء الى دمشق من هافانا بعد ان ترأس وفد بلاده الى اجتماع حركة عدم الانحياز في 30/4/2009. وقد شكر هناك كل الدول «غير المنحازة» التي صوتت الى جانب صربيا في الجمعية العامة لتحويل قضية استقلال كوسوفو الى محكمة العدل الدولية، التي يعتبر رأيها غير ملزم لأحد، وطالب بأن تمتنع دول عدم الانحياز عن الاعتراف باستقلال كوسوفو الى ان تبت المحكمة الدولية في ذلك. بعد عودته من دمشق شارك يرميتش في نقاش بالبرلمان الصربي حول قانون السياسة الخارجية الصربية وحدد خلال كلمة «أولويات السياسة الخارجية الصربية» على الشكل التالي: «الدفاع عن النظام الدستوري والاندماج الأوروبي وتحسين العلاقات في البلقان» (جريدة «داناس» 18/5/2009). فالحكومة الصربية الحالية المحسوبة على «الاتجاه الأوروبي» التي حلت محل حكومة فويسلاف كوشتونيتسا الأقرب الى روسيا، تسعى بكل ما يمكن لكي تحظى صربيا بوضعية «دولة مرشحة» وان تنضم الى الاتحاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة.