يعطي تقرير «حال الأمة العربية: 2008-2009» الذي صدر تحت عنوان «أمة في خطر»، عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، صورة لا تبعث على الارتياح عن الأوضاع العامة في الدول العربية، في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية والثقافية. كما يقدم «التقرير الاقتصادي العربي الموحد لسنة 2008» الصادر عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، صورة تتطابق مع الصورة الأولى. وإذا كان التقرير الأول قد أعده مجموعة من الباحثين، أي أنه تقرير لا يمثل جهة رسمية، فإن التقرير الثاني هو من إعداد خبراء جامعة الدول العربية، وهو بذلك تقرير رسمي. وهذه الحيثية مهمة للغاية، ولابد من وضعها في الاعتبار عند الحديث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية، من زاوية تحليل حالة التربية والتعليم التي هي المرآة للأحوال الأخرى على اختلافها، من حيث الإنفاق العام على التعليم، ومعدل القيد الإجمالي في مراحل التعليم، ومعدل الأمية، ومؤشرات عن الصحة ... إلخ. ومما يتضح من «التقرير الاقتصادي العربي الموحد»، أن تونس تحتل المرتبة الأولى في نسبة الإنفاق على التعليم من الإنفاق العام الإجمالي بمعدل 28,7 في المئة، تليها المملكة العربية السعودية بمعدل 27,6 في المئة، ثم تأتي الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثالثة بمعدل 27,4 في المئة، ثم جيبوتي في المرتبة الرابعة بمعدل 27,3 في المئة، ثم المغرب في المرتبة الخامسة بمعدل 27,2 في المئة. كذلك تحتل تونس المرتبة الأولى من حيث نسبة الإنفاق على التعليم من الدخل الوطني الإجمالي (7 في المئة)، بينما تصل هذه النسبة في المملكة العربية السعودية إلى 6,7 في المئة. وهذه البيانات تغطي السنتين 2006 و2007. أما أقل معدل للأمية في الدول العربية، فهو في الأردن حيث تصل نسبة الأمية في الفئة العمرية 15 سنة فما فوق 4,3 في المئة بين الذكور و11,6 في المئة بين الإناث، وفي الجملة 7,9 في المئة. أما بين الفئة العمرية 15-24 سنة فتصل بين الذكور الى 0,5 في المئة وبين الإناث 0,2 في المئة، وفي الجملة 0,4 في المئة. وهذه نسبة مريحة تبعث على التقدير للجهود التي تبذلها الجهات الحكومية الأردنية والمنظمات الأهلية معها في هذا المضمار. وبصورة إجمالية، فإن «التقرير الاقتصادي العربي الموحد لسنة 2008»، يتفق في خطوطه العريضة وتوجهاته العامة، مع ما جاء في تقرير «حال الأمة العربية 2008-2009»، في تسجيل معدلات غير مطمئنة عن حالة التربية والتعليم في الدول العربية. وبالمقارنة مع إحصائيات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو، التي تغطي الأوضاع التربوية والتعليمية في خمسين دولة عضواً، والتي تعززها إحصائيات منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة -يونسكو، يتضح لنا بصورة جلية، ومن خلال حقائق ملموسة، أن الأمة العربية الإسلامية في خطر حقيقي، وأن الأمر يستدعي تحركاً سريعا بقرارات رسمية من أعلى المستويات، لإصلاح الأحوال إصلاحاً جذرياً وشاملاً وقائماً على الدراسة العلمية والمنهج الوظيفي المعتمد لدى الدول المتقدمة، وذلك للخروج من النفق الضيق إلى الساحة الواسعة التي تتوافر فيها فرص النمو المتوازن والمتكامل في هذا الحقل الذي هو من أكثر حقول التنمية الشاملة صلة بتجديد البناء الحضاري للعالم الإسلامي. في مطلع الستينات من القرن الماضي، قدم إلى الرئيس الأميركي تقرير بعنوان «أمة في خطر»، يبين انخفاض مستوى تدريس العلوم والرياضيات في المؤسسات التعليمية الأميركية، بالمقارنة مع الحالة في الاتحاد السوفياتي ودول أوروبية. فكان أن أُعلن عما يشبه «النفير العام» في الولاياتالمتحدة الأميركية، واتخذت قرارات حازمة وصارمة لإصلاح الوضع وللعناية الفائقة بالتعليم في جميع مستوياته، بعد أن اقتنعت الإدارة الأميركية أن المسألة هي من الخطورة لدرجة أنها تهدد الأمن القومي الأميركي. وكانت تلك البداية لنهضة تعليمية علمية تقانية هائلة. الوضع الآن في العالم الإسلامي (والعالم العربي جزء مهم منه)، على المستويين التربوي والتعليمي والعلمي والتقاني، أسوأ بكثير مما كان عليه الوضع في الولاياتالمتحدة الأميركية في مطلع الستينات، حينما أعلن الرئيس الأميركي التعبئة العامة ودق ناقوس الخطر لإنقاذ البلاد. وهو الأمر الذي يتطلب أن تضاعف الحكومات والمنظمات الأهلية الجهودَ التي تقوم بها، لتصحيح الأوضاع في هذا القطاع الحيوي الذي يتوقف على إصلاحه إصلاحُ القطاعات الأخرى جميعاً. بل يمكن القول إن تطوير الحياة في العالم الإسلامي، وإحراز التقدم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصناعية وغيرها من المجالات، وتسوية المشكلات السياسية، كل ذلك مرهون، إلى حد بعيد، بإصلاح المنظومة التعليمية، بمنهج علمي وبالأساليب الحديثة وبرؤية مستقبلية، وقبل هذا وذاك، بقرارات تتخذ في أعلى مستويات السيادة، ومن خلال التعامل مع الوضع على أساس أن الخطر الذي يتهدد حاضر العالم الإسلامي ومستقبله، والذي ينبع من هذا الجانب، هو خطر حقيقي وليس افتراضياً. الأمة في خطر. هذه حالة حقيقية وليست متوهمة. وبتطوير التربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا يبدأ الإصلاح الشامل والتجديد والتطوير والتحديث وبناء مستقبل الأمة بناء قويا. فهل نعي هذا الخطر ونتحرك لمواجهته, أم نؤجل عمل اليوم إلى موعد غير محدد؟. * المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة - إيسيسكو.