واشنطن – «نشرة واشنطن» - يواجه أصحاب الأعمال والشركات الصغيرة في البلدان النامية، حيث أجواء الأعمال التجارية ليست ودية وملائمة كما يجب، عقبات ملحة ومثبطة، أكثر مما يواجه نظراؤهم في بلدان العالم المتطور. وتراوح هذه العقبات بين التدابير والأنظمة الحكومية المرهقة، والفساد والبنية التحتية السيئة. وتتعاطى مؤسسات الأعمال الصغيرة مع هذه التحديات وتتغلب عليها بطريقة أو بأخرى. فإما أن تجد «راعياً» في قطاع الدولة العام يتولى حمايتها، أو تنشئ عملها وتزاوله تحت غطاء سري، تتجنب فيه التسجيل الرسمي الحكومي، أو تلجأ إلى أشخاص وصوليين محنكين للتغلب على العقبات الأخرى. لكن أصحابها يدفعون عادة ثمناً باهظاً لمثل هذه الأساليب الملتوية. ولا تختلف كثيراً القواعد العامة التي يجب أن تتوافر لنجاح هذه الأعمال في العالم النامي، عن تلك اللازمة للنجاح في العالم المتطور. ويقول، أحد رواد الأعمال المتسلسلة، الأستاذ الزائر في كلية «إيسيد» (ESADE) في برشلونه بإسبانيا كن مورس: «لا بد لرواد الأعمال من إظهار الشغف والالتزام بتقديم خدمة ذات قيمة للزبائن، فأنت بحاجة إلى زبائن كي تركز اهتمام تطورك في المساعدة على تجنيد لاعبين من الطراز الأول في فريقك، وطبعاً لا توجد طريقة للحصول على تمويل خارجي، ما لم يكن لك زبائن يثبتون بيان قيمتك» (البيان المعلن لجودة الخدمة والسلعة المسوّقة). ويرى مؤسس شركة «إيستريت» (ESTREET) للترويج لريادة الأعمال في نيجيريا كنييي أليكس «ان العمل التجاري في بلده يحتاج إلى إرادة جبارة»، موضحاً أن أصحاب الأعمال الصغيرة في نيجيريا يجب أن يقدموا تضحيات ليست مطلوبة في الغالب من أمثالهم في العالم المتطور. ومن المهم التفريق بين الأعمال الصغيرة، التي ينشئها أصحابها لتأمين دخل لأسرهم، وبين المشاريع الريادية الفعلية، التي تهدف إلى سد فجوة في السوق، وتنطوي على احتمالات النمو واستخدام أعداد متزايدة من العاملين، وتقدم إسهاماً كبيراً للاقتصاد المحلي. فالذين ينتمون إلى الفئة الأولى، هم ببساطة مهتمون بتوفير سبل المعيشة والبقاء، ولا يملكون إلا القليل من الطموح المتطلع نحو تكوين ثروة كبيرة، ويتجنب معظمهم التسجيل الرسمي عند الحكومة، الذي يتطلب كثيراً من الوقت والنفقات. لكن هذا الأسلوب يحد من قدرتهم على النمو ويلحق الضرر ببلدهم، الذي لا يستطيع ملاحقتهم لجباية الضرائب المترتبة على مكاسب أعمالهم. وأشار أستاذ ريادة الأعمال الدولية في كلية بابسون في ويسلي بولاية مساتشوستس الاميركية هوليو دي كاسترو، إلى ان «وضع عراقيل في طريق الأعمال التجارية الجديدة، يدفعها إلى اتخاذ الطابع غير الرسمي»، لافتاً إلى أن الأعمال غير الرسمية تتكبد تكاليف أعلى لرأس المال والنقل، وتواجه مشاكل أكبر في التخزين، وصعوبة أشد في استخدام موظفين من نوعية جيدة، ولها قدرة أقل على تنفيذ العقود. وفي نيودلهي، هناك مليون عربة «ريكشا» توفر لأصحابها الرزق والمعيشة. لكن عرفان علم، الذي أنشأ مؤسسة سامآن (SammaaN) لتحديث قطاع جر عربات الريكشا في ولاية بيهار، أوضح ان 99 ألف عربة ريكشا فقط مسجلة رسمياً لدى الحكومة. وحذر من أن وجود هذا العدد الهائل من الذين يجرون عربات غير مسجلة، يشكل خطراً على الجمهور عدا عن أنه يعتبر أيضاً غشاً واحتيالاً على دخل الحكومة، لا من حيث عدم دفع رسوم التسجيل فحسب، إنما أيضا نظراً للرشاوى التي يقدمها أصحاب العربات لأفراد الشرطة والموظفين. وأضاف علم: «حجم طبقات الأنظمة (البيروقراطية) وتعددها يصعبان الأمور على رواد الأعمال». ويقترح أليكس لمعالجة هذه المشكلة وغيرها من التحديات والتغلب عليها، على رواد الأعمال أن يتبادلوا معلوماتهم ويُشركون بعضهم البعض فيها، إذ «لا بد أن يكون هناك حل عند أحدهم». ويرى ان ثمة ميزة مفيدة أخرى للمشاركة، وهي أن رواد الأعمال الآخرين وخبراء الأعمال، قد يصبحون مستثمرين أو زبائن في نهاية المطاف. ويقول أستاذ ريادة الأعمال في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية أيمن الطرابيشي: «عندما أنشأت امرأتان مصريتان في مصر، ما يماثل سلسلة مكتبات بارنز أند نوبل الأميركية، أكسبهما الدعم الذي لقيتاه من المجتمع الدولي ثقة باعة كتبهن وزبائنها... هذه الشبكات يمكن أن تحدث فارقاً، فهي إرشادية. فعندما يتقدم فيها الفرد المناسب يقولون له: «سأجعلك أحد الباعة في شركتي»، وهذه الدفعة الصغيرة تحدث فارقاً». لكن الرائد الاجتماعي في كيرالا بالهند شافي ماذر، دعا رواد الأعمال إلى مقاومة الفساد وتكوين سمعة حسنة. وفي وقت أخذت الحكومات تدرك أهمية ريادة الأعمال بالنسبة للنمو الاقتصادي والتنافسية القومية لبلدانها، بدأت تخفف التدابير والإجراءات، وتطبق برامج لدعم رواد الأعمال، وحتى منح عقود حكومية لإنشاء أعمال جديدة. ويقول مورس: «تدرك الحكومات أن الشركات الفتية والنظام البيئي لريادة الأعمال جزء مهم من إيجاد ثقافة ابتكارية تنافسية». ولاحظ أن تغيرات إيجابية طرأت على السلوك تجاه رواد الأعمال في الأردن ولبنان والإمارات وباكستان والصين، حيث ظلت الاقتصادات حتى تسعينات القرن الماضي، تعتمد كلياً تقريباً في نموها على الشركات الكبيرة المملوكة للدولة. إذ تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة الآن، وفقاً لمجموعة الريادة الدولية التي تروّج للأعمال الصغيرة، 60 في المئة من الناتج الصناعي و75 في المئة من اليد العالمة.