فوج خامس من المرشدات الدينيات في السنة الحالية، وأكثر من 250 مرشدة منذ فوج الأول في العام 2006... لا يزال المغرب متفرداً حتى الآن بتجربة دينية غير مسبوقة على مستوى العالم العربي والإسلامي للتأطير الديني النسائي داخل المساجد وخارجها، في سياق مشروع شامل لإصلاح الشأن الديني اعتمدته المملكة، في بداية عهد الملك محمد السادس، يرمي إلى محاربة التطرف وإنعاش الخطاب الديني المتسامح وآلياته ووسائله ومرجعياته. خمس سنوات على إطلاق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية برنامج المرشدات الدينيات ولا تزال قائمةً فكرة أنه لولا الأحداث الإرهابية التي وقعت في الدارالبيضاء في 16 أيار (مايو) 2003 لتأخر، ربما، دخول المرأة المغربية إلى حقل الإرشاد والوعظ الدينيين، أو لما كان لهذا البرنامج من مبرر أصلاً للوجود. بيد أنه إذا كان لقضية الإرهاب من دور في تسريع دخول النساء إلى حقل الوعظ الديني في المساجد المغربية، فلعله ليس مبرراً داخلياً في الدرجة الأولى، إذ سبق الإعلان عن استراتيجية إصلاح الحقل الديني وقوع أحداث الدارالبيضاء، مع تعيين وزير جديد للشؤون الإسلامية في حكومة 2002 كان منتظراً منه أن يقلص، ضمن دائرة التدين الشعبي، امتدادات التيارات المتشددة. لكن المبرر لإعادة هيكلة القطاع الديني عموماً يكمن في سياق ظروف دولية عامة، علامتها البارزة مكافحة الإرهاب والتطرف الديني بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 التي هزت نيويورك وواشنطن بالولايات المتحدة الأميركية. وأبرز عناوين استراتيجية إصلاح الشأن الديني بالمغرب في ارتباط إشراك المرأة كأحد المكونات الأساسية إعادة هيكلة المجلس العلمي الأعلى، أكبر مؤسسة دينية رسمية للإفتاء، في 2004، بالسماح لالتحاق أربع عالمات به، وقبول عضوية النساء في كل المجالس العلمية الجهوية التي تم توسيع قاعدتها وانتشارها عبر أرجاء المملكة في نفس الإطار أيضاً، وكذلك اعتماد برنامج تكوين المرشدات الدينيات الذي لاقى إقبالاً كبيراً من قبل المغربيات الراغبات في خوض تجربة دينية متميزة في وعظ وإرشاد النساء في أمور دينهن ودنياهن، وتحفيظهن القرآن وتجويده، لسد الفراغ الديني والروحي، من جهة، وقطع الطريق على القنوات الأخرى التي تستقي منها النساء الموعظة. واعظتان في قلب لندن لا تزال الذكريات قوية تتدفق بالحياة والتفاصيل في حديث المرشدتين الدينيتين الشابتين فاطمة الزهراء الصالحي ونزهة النعاسي اللتين عادتا قبل نحو شهر من لندن حيث أقامتا خلال شهر رمضان الماضي في مركز التراث الثقافي الإسلامي المنار والمركز الثقافي الإسلامي الذي يضم المسجد المركزي الواقع في شارع «بيكر ستريت» الشهير وسط لندن. سافرت فاطمة الزهراء (دبلوم دراسات عليا معمقة في القانون)، ونزهة (إجازة في الدراسات الإسلامية)، في إطار برنامج لوزارة الشؤون الإسلامية يرمي للتعريف عملياً بالتجربة الجديدة عبر مختلف الدول التي يعيش فيها المهاجرون المغاربة. كان برنامج عمل المرشدتين في البداية يتألف من حصة أسبوعية للوعظ والإرشاد، لكن الإقبال على متابعة دروسيهما رفع الطلب إلى حصص يومية بتزكية إدارة المركزين وترحيبهما. «لو تمت عملية الإخبار بنشاطنا بشكل أوسع وأبكر في المركزين وضمن الجالية المسلمة في لندن، لكان الإقبال أكبر»، تقول نزهة، مستشهدة بتضاعف عدد النساء إلى أكثر من الضعف مع اقتراب نهاية شهر رمضان بعد انتشار الصدى الطيب لعمليهما. في مركز المنار، قدمت فاطمة ونزهة بمعدل يومي بعد صلاة الظهر 4 محاضرات للنساء و3 للأطفال، وفي فترة ما بين صلاة العشاءين، قدمتا ما مجموعه 14 محاضرة في الأسبوع داخل رحاب المسجد المركزي. تقول المرشدتان إنهما حاولتا الأخذ في الحسبان بخصوصية حياة المسلمين في انكلترا، والمشاكل الحياتية والدينية التي يواجهونها في مجتمع الاستقبال، بأسلوب منفتح وبسيط معزز بالحجة الدينية والعلمية، ذلك لأن برنامج تكوين المرشدات يعتمد، فضلاً عن العلوم الشرعية، تدريس اللغات وتقنيات التواصل الحديثة طيلة سنة كاملة. بعد إنهاء المحاضرات، كانت المرشدتان تتلقيان أسئلة النساء، وهن من جنسيات متعددة (جزائرية، مصرية، سودانية، صومالية، عراقية، فلسطينية، أفغانية، فضلاً عن المغربية)، لكن أهم من حصة الأسئلة، هو جلسات الاستماع التي لجأتا إليها، ولم تكن مقررة في برنامج العمل الأصلي، للاستجابة لطلبات النساء الراغبات في طرح مشاكل وقضايا شديدة الخصوصية على انفراد. في نهاية التجربة، تلقت المرشدتان دعوات ملحة من المستفيدات، وحتى من إدارة المركزين، للإقامة في لندن لمواصلة مهمة الوعظ الديني. بالطبع، هذه دعوة لا تملك الإثنتان الاستجابة لها في شكل شخصي، ولكنها رسالة إلى القيمين على الشأن الديني في المغرب تعبر عن الحاجة الكبيرة لحضور المرأة واعظة في شؤون الدين في المؤسسات الدينية والثقافية في بلدان المهجر. تقويم التجربة تجربة الوعظ الديني النسائي داخل المغرب لا تقل نجاحاً، بحسب تأكيد محمد أمين الشعيبي، مندوب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في جهة الرباط التي تضم إلى جانب العاصمة 3 مدن مجاورة. إن حاجة المجتمع إلى الواعظات الدينيات ورفع أعدادهن «مسألة مفروغ منها» في مغرب يعول على الرجل والمرأة معاً لتحقيق التنمية والتقدم. لا توجد بعد دراسة ميدانية تقيم هذه التجربة، لكن الشعيبي يستند إلى مؤشرات ميدانية تتمثل في إقبال متزايد وكبير للنساء على ارتياد المساجد، وعلى دروس محو الأمية حيث يمثلن الغالبية العظمى للمستفيدين. تشرف حالياً 12 مرشدة على الوعظ الديني داخل مساجد العاصمة البالغ عددها 224 مسجداً، وعلى مستوى الجهة ككل، ثمة 39 مرشدة. حتى الآن، وتيرة تغطية المساجد بمعدل يناهز 60 مرشدة سنوياً لا تزال وتيرة ضعيفة لا تواكب الطلب، والسبب هو ضعف الاعتمادات المالية للوزارة لتوسيع العرض، على رغم أنه لا توجد الآن دراسة تستشرف خريطة تخريج وانتشار الواعظات في المستقبل عبر المملكة. عموماً، تحظى تجربة التأطير الديني النسائي باهتمام كبير، لاسيما بعد خروج الواعظات ذوات المستويات التعليمية والثقافية العالية من المساجد إلى العمل الاجتماعي والخيري داخل المؤسسات المدنية والاجتماعية، في دور الرعاية الصحية والمستشفيات والسجون والمؤسسات التعليمية والجامعية. ومؤشرات النجاح نلامسها مجدداً في تجربة نزهة وفاطمة في السجون والمستشفيات، عبر التغيير الذي استطاعتا أن تدخلاه على حياة العديد من النساء في وضعية صعبة. عموماً، تقدم تجربة الإرشاد الديني بصيغة المؤنث في المغرب فكرة شاملة عن وضعية المرأة في المجتمع المغربي ورهان الدولة على إدماجها في سيرورة التنمية والتقدم وترسيخ قيم الانفتاح، وبالأساس حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. كما يحيل عدم وقوع صدمة دينية في المجتمع المغربي بسبب ولوج المرأة حقل الوعظ الديني إلى وجود تاريخي للمرأة في الحقل الديني، بدليل وجود ما يعرف بدار الفقيهة المنتشرة عبر المغرب خلال مختلف الحقب، حيث عالجت المرأة شؤون دينها ودنياها في أماكن عامة معروفة مخصصة للنساء.