أخيراً أنصف التاريخ الحديث والمجتمع المدني أصدقائي «العرابجة»، بل إن الاقتصاد الحر والسوق المفتوحة، يحاولان الإسهام في هذا الإنصاف، والجميع «ماع»، وذاب كما يميع البصل والطماطم في «الكشنة». في ثقافة شعبية يصفها «غير الطماطيين» بأنها ثقافة العرابجة تأتي لفظة «أغدي كشنة» أو «أصير كشنة» في سياق الإعجاب حتى الانبهار بفتاة، سيارة، حركة تفحيط، «خرشة عود»، وأي من محددات الفرح في الذهنية الجمعية للمراهقين الذين يعيشون عصرياتهم ومساءاتهم المبكرة في الشارع أو الحارة، أما مراهقي «الهمرات»، فثقافتهم «شكل تاني» أحمد الله انه لا علاقة لهم ب«الكشنة» وأي من مكوناتها. «الكشنة» في المحكية السعودية هي تحمير البصل في قليل من الزيت، ثم إضافة الطماطم والبهارات لاحقاً، وهي حجر الأساس للفعل طبخت، تطبخ، فهي طابخة، أوطبخ يطبخ فهو طابخ للعازب «الشقردي»، أو الزوج الحنون، وهي بإضافة قليل من الماء وتركه دقائق على النار تسمى «مرقة هوا» بالألف الممدودة وليس المقصورة، كناية عن امتداد «بوز» المرأة، أو «بوز» الرجل إذا رآها أمامه على سفرة الغداء. ومناسبة تذكر عيد ميلاد الأخت «كشنة» هو ارتفاع أسعار الطماطم إلى درجة أن نصف الشعب من ذوي الرواتب المحدودة والإمكانات «المقرودة» استغنوا عن «التكشين» بها، واستعاضوا عنها بعبوات «الصلصة» الجاهزة التي لا تغني عن رائحة «الكشنة الطماطية» الحقيقية، التي اشتهرت بها بعض ربات البيوت كعلامة خليجية مسجلة. وكما أن رائحتها أفقرت الساحة العائلية من الرومانسية، فهي أيضاً أفقرت المطبخ العربي إجمالاً من الإبداع والتشكيل والتخفيف عن بطون وجيوب الأزواج، ويمكن اعتبارها متطرفة، لأنها لا تكون إلا مقدمة لوجبة دسمة، أو هي بذاتها وجبة «تمشية حال»، لذا أعتقد أن تطرف أسعارها، وإرهاب تجارها لمستهلكيها جاء خيرة، والخيرة فيما اختاره الله. شتلة الطماطم بريال، ويمكن أن تطرح بالأسعار الحالية ما قيمته مئة ريال، وكل بلاطة في حوشكم أو سطحكم أو حتى رصيف منزلكم تتسع لشتلة، وإذا كبر الموضوع معكم يمكنكم نقل الشتلات إلى الاستراحات، واستئجار أو ابتكار بيوت محمية للإنتاج في غير وقتها، وبدلاً من أشجار الزينة في المدارس والجهات الحكومية، يمكننا تبني حملة «طماطة لكل مواطن»، ونترك له حرية أكلها طازجة، أو «تكشينها»، أو تخزينها للزمن «الأغبر» القادم حينما يصل سعر الواحدة منها إلى سعر غرام الذهب، فيبدأ في تسمية «الكشنة» ب»التسبيكة» كما يفعل الأخوة المصريون. [email protected]