لم تنته فعاليات «سوق عكاظ» مساء أمس بانتهاء ما شهدته طوال الأيام الخمسة الماضية، من حراك فاعل، بدءاً من مقر إقامة الضيوف في فندقي انتركونتيننتال وأوالف، وليس انتهاء بجادة عكاظ ومسرحها، إذ تداخل المتن بالهامش، ويتجاور الهم العام مع الخاص فالندوات والأمسيات التي نظمت على هامش المهرجانات تحولت إلى حوارات، راوحت بين الأدبي والمعرفي سيبقى أثرها طويلاً، وقد يستفاد من خلاصاتها القائمين على المهرجان. من جهته، أوضح الأمين العام للجنة الرئيسية للمهرجان الدكتور جريدي المنصوري ل«الحياة» أن المشاركين العرب «يثمنون لرئيس اللجنة الإشرافية العليا للسوق الأمير خالد الفيصل هذه التظاهرة العربية المشتركة»، مشيراً إلى أن الإيجابية «تمثلت في الانطباع العام لدى جميع الضيوف الذين رأوا في «عكاظ» تجربة نوعية، تليق بمستوى الحدث التاريخي والمشروع الكبير الذي يتنامى في كل عام بأسماء وفعاليات، تؤكد أن الخطى الواثقة تتكئ على أرضية صلبة وبصيرة نافذة ورؤية مستوعبة للتحولات والتجارب، ما يؤهلها لصقل مشروعها وتطويره»، لافتاً إلى أن أي عمل «لا يعتوره نقص لن يسعى إلى نشدان الكمال»، ومبدياً سعادته بالنقد البنّاء الذي «يسهم في تقديم الأمثل والأفضل من أبحاث وأفلام وثائقية ومعارض تقنية»، مرجعاً تميز السوق إلى جمعها بين الأصالة والمعاصرة. فيما أبدى الشاعر خالد قماش تحفظاً على نشاط المركز الإعلامي الذي سمع به ولم يره، مؤملاً ب«أن تتقبل اللجنة المنظمة النقد بصدر رحب كونه طريقاً نحو السير بخطى واثقة، باتجاه ما يطمح إليه الأمير خالد الفيصل»، مثمناً للجان العاملة «نشاطها ومحاولتها الجادة لتقديم أفضل ما تملك، إلا أنها بحاجة إلى المزيد من التنسيق والتمويل لتؤتي اللجان ثمارها». ويرى الناقد المغربي الدكتور سعيد يقطين أنه يمكن ل «عكاظ» «أن تنافس المربد وجرش وأصيلة وغيرها، لأن الإمكانات المادية والتأطيرية والبشرية متوافرة في السعودية، والحراك الثقافي الذي تعرفه المملكة يؤهلها لمكانة مهمة ويعطي لمهرجاناتها نكهة خاصة، ولا سيما مهرجان عكاظ الذي له موقع مميز في المتخيل الثقافي العربي». ووصف يقطين الأمير خالد الفيصل ب«ذي الهمة العالية للنهوض بالعمل الثقافي»، موضحاً أن خصوصية عكاظ «في مزجها التاريخي بالواقعي ما يؤدي إلى تقديم دور أساسي في التطوير الثقافي ليس فقط على مستوى المملكة أو منطقة الخليج، بل في العالم العربي وفي الأوساط الدولية»، مؤكداً أن الجدية والاستمرارية من شروط نجاح المشاريع الكبرى، «لا من خلال لحظة راهنة أو عابرة أو ملء فراغ، ولكن باعتبارها مناسبة لتحقيق غايات سامية للنهوض بالعمل الثقافي والارتقاء به من مستوى إلى آخر أعلى، مع السعي الدؤوب لجعله رافعة للتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، مع ما يتطلبه ذلك من تخطيط أدبي محكم وتسيير مادي مسؤول ومتوازن». مضيفاً أن الاستمرارية «لا تعني بقاء الأشياء على ما هي عليه من دون أن تكون قابلة للتطور الكيفي، الذي يتأسس على التقويم الذاتي لتجربة المهرجان، عبر الوعي بالمرامي والأهداف المرسومة له، ومدى تحققها في كل ملتقى». وقال إن مدخل التطوير أن يكون «بالوقوف على السلبيات المختلفة، وكيفما كانت طبيعتها أو حجمها لتجاوزها في المهرجان المقبل»، مطالباً بتراكمية «تتوافر من خلال التخطيط لتجاوز السلبي والرقى إلى مستوى منافسة حقيقية مع الذات والآخر»، لافتاً إلى ضرورة الإحساس الجماعي بالتطوير فكرة وآلية، «لنكون قادرين على الانخراط الإيجابي في القضايا الثقافية العالمية، وبذلك تتحقق الفعالية العالمية لثقافتنا، ونفيد من خبرات وتجارب الآخرين، ونناقشهم في الأفكار التي ينشغلون بها ونقدم إسهاماتنا في القضايا الثقافية العالمية». ودعا يقطين «إلى تعميق التواصل بين العرب في قضايا الثقافية الأساسية الكثيرة، والانفتاح في الوقت نفسه على القضايا الإنسانية وبذلك يستقيم العمل من خلال تظاهرات ومهرجانات تكرس تقاليد جديدة قابلة للاستمرار والتطور، ومراكمة التجارب التي تسهم في بلورة قيم ثقافية جديدة مبنية على الحوار والانفتاح والتفاعل». إلى ذلك، أثنى عدد من المثقفات المشاركات في ملتقى «سوق عكاظ» الرابع على جهود القائمين على السوق، وفي مقدمهم أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل «كونهم تعاملوا مع المثقفة باعتبارها شريكاً في الفعل الثقافي والوطني»، مثمنات للجنة المنظمة مظهر إلغاء ما وصفهن بالتمييز بين الجنسين في هذا العام، مبدين غبطتهن بحضورهن مع نصفهن الآخر للفعاليات من دون حواجز عدا الحاجز النفسي عند البعض. ووصفت الكاتبة حصة آل الشيخ المهرجان في عامه الرابع بالناجح، «لأنه تعاطى مع المرأة من دون إقصاء»، متطلعة «إلى توسيع مساحة مشاركة المثقفة السعودية في الفعاليات مع شريكها الرجل، كونهما يتكاملان من خلال سعي جمعي باتجاه الثقافة من دون استرابة أو ضدية من المثقف أو المثقفة»، مبدية تحفظها على مسرحية «طرفة بن العبد» بسبب إغفالها حضور «خولة» بطلة قصائد طرفة التي خلّدها في مطلع معلقته «لخولة أطلال ببرقة ثمهد، تلوح كباق الوشم في ظاهر اليد». وأشارت آل الشيخ إلى أنه كان يمكن الاستعانة بإحدى الممثلات لأداء الدور، لتثبيت الحقيقة التاريخية لواقع اجتماعي أثبته النص الشعري بصورة ناصعة. فيما وصفت الشاعرة حليمة مظفر عمل اللجنة المنظمة للسوق بالمتطور والنامي، « في ظل رؤية تراكمية قابلة لإضافة صوراً مبهجة في أعوام تالية»، مشيدة بالتقاء المشاركين والمشاركات تحت مظلة واحدة من دون تمييز، واصفة قرار إلغاء اللجنة النسائية للسوق بالحضاري، ومطالبة بإلغاء جميع اللجان النسائية من مؤسساتنا الثقافية، متطلعة إلى تخصيص جائزة للنقد الأدبي وأخرى للتأليف الإبداعي وثالثة للمسرح. وحملت مظفر المثقفة السعودية مسؤولية غيابها من جدول الفعاليات، كونها «تتحجج بأعذار واهية عن حضور مثل هذه المناسبات». وامتدحت الشاعرة منى السراج عصرنة المسرح لأن مسرحية «طرفة بن العبد» تناولت الحدث التاريخي «برؤية حديثة وفق معطيات متطورة تتماشى مع هموم الإنسان المعاصر»، مبدية دهشتها من غياب شاعرات بحجم أشجان هندي وثريا العريض عن فعاليات السوق. وأشارت إلى أن المثقفة السعودية «تسجل حضورها الفاعل في الملتقيات، بوعي يثبت أن المجتمع يتعافى من بعض الرؤى القاصرة في نظرتها للمرأة». من جانبها أكدت الكاتبة أمل زاهد أن القائمين على الثقافة السعودية «لا يفرقون بين المثقف والمثقفة، سوى في تقييم مستوى نتاجهم وعطائهم» ،لافتة إلى أن «سوق عكاظ» في عامه الرابع «تجاوزت الازدواجية والتناقض الملحوظين في بعض المواسم الثقافية»، متطلعة إلى كسر الحاجز النفسي في التعاطي مع المثقفة، «بعد كسر الحواجز الحسية المفتعلة والمعارضة لنصوص الشرع وتوجهات الدولة».