ينطلق شريط «آخر ديسمبر» قبل الجنيريك بمشهد حزين، حيث يظهر آدم يجلس في المستشفى وهو يبكي حزناً على فراق عزيز عليه لا ندري تحديداً من يكون، ثم ومع بداية الفيلم نرى أن هذا الطبيب يعيش حالة اكتئاب شديدة تجعله يهمل حياته الشخصية والمهنية. ليقرر في وقت لاحق أن يلتحق بالقرية حيث سيعمل. يصل آدم الى القرية وتبدأ خيوط الحكاية تُنسج في قلب الطبيعة الجميلة التي أتقن المخرج تصويرها، حيث يباشر الطبيب الشاب والوسيم المغرم بعزف الغيتار، عمله في القرية التي تفتقر لأبسط مقومات الرفاهة حيث سيلتقي عائشة الفتاة الرومانسية الحالمة التي تقع في غرام أحد أبناء القرية ليتركها حاملاً منه ويهاجر. يقف آدم إلى جانب عائشة ويساعدها على التخلص من الجنين لتتمكن من الزواج من احد شبان المدينة الذي يقيم في باريس لكن العلاقة تفشل بعد وشاية زميل لها في العمل، لتجد في الطبيب الشاب مخلصاً لها من آلامها وليجد هو أيضاً خلاص روحه على يديها، أو هذا ما أراد المخرج أن يوهم به المشاهد. قصة بسيطة وصورة مدهشة قصة هذا الفيلم تبدو بسيطة جداً ليس فيها أي اشتغال على النص لا من حيث السيناريو ولا الحوار، قصة كلاسيكية يمكن أن تحدث في أي مكان أو زمان، قدمها كمون دون تحديد لمكان بعينه أو زمان. وأحداث بطيئة إلى حد الملل في بعض ردهات الشريط. وكأن المخرج أراد أن يعدل إيقاع شريطه على إيقاع القرية الرتيب، ولعلّ ما قلل وطأة الملل عدد المشاهد الكوميدية التي لم يخل منها الفيلم، فضلاً عن المناظر الطبيعية الرائعة والخلاّبة التي التقطتها كاميرا معز كمّون، حيث جاءت الصورة في غاية النقاء والجمالية ما يعطي انطباعاً بالارتياح أثناء المشاهدة. اعتمد المخرج على تصوير المشاهد بشكل فيه الكثير من الإغراء السينمائي وبحرفية نادرة جعلت الصورة ثاني أبرز نقاط القوة في الشريط بعد الأداء الممتاز للممثلين دون مفاضلة، حيث كان اختيار الممثلين لافتاً وقدم كل واحد منهم ما هو مطلوب منه وزيادة. وعلى رغم تجربتها البسيطة في السينما إلاّ أنّ هند الفاهم «بطلة الشريط» نجحت إلى حد بعيد في إقناع المشاهد بقدرتها العالية على أداء دور الفتاة الحالمة والرومانسية والساذجة أحياناً، أمّا ظافر العابدين فقد أكد مرة أخرى أنه من طينة الكبار وأنه يخطو بسرعة نحو النجومية لما يبرزه في كل دور جديد من حرفية وذكاء في تقمص الشخصية التي يقدمها مع كل عمل جديد. بقية الممثلين الذي شاركوا في هذا العمل السينمائي الجديد شكلوا عنصر دفع وإضافة مهمين. ومهما يكن من أمر فإن كل عمل سينمائي جديد في تونس يمثّل حدثاً ثقافياً وفنيّاً تحتفي به وسائل الإعلام والجمهور بأشكال مختلفة، ولئن كانت اغلب ردود الفعل تؤكد ضعف السيناريو والحوار في الفيلم فإنّ الاتفاق كان حول جمالية الصورة وتميّز أداء الممثلين. كما أنّ «آخر ديسمبر» قطع مع «الحمّام العربي» والأجساد المتناثرة هنا وهناك بموجب ودون موجب على عادة كثير من الأفلام التونسية. يذكر أنّ الشريط استغرق سنتين لتنفيذه كما أكد مخرجه الذي أضاف أنه صرف كل ما يملك على فيلمه الجديد وقد سبق له أن أخرج عدداً من الأفلام القصيرة إلى جانب فيلم طويل بعنوان «كلمة رجال» وهو مقتبس من رواية التونسي حسن بن عثمان.