تسلط مناقشات تقويم الوضع بأفغانستان الضوء على الوضع الأمني والمخدرات وحال الحكم، مقياساً للتقدم في أفغانستان. وبدأ الوضع الأمني بأفغانستان بالتدهور منذ 2005. واغتيل رجال دين موالين للحكومة في عمليات انتحارية، ودارت معارك عنيفة بين المتمردين والقوات الدولية في زابول، وأسقطت طائرة «تشينوك» وعلى متنها 17 جندياً أميركياً، في تموز (يوليو) الماضي. وارتفع عدد قتلى الجيش والشرطة الأفغان، وعدد ضحايا العاملين في إعداد الانتخابات. وتزامن العنف مع استسلام عدد من قادة طالبان السابقين، والاضطراب الأمني في بعض ولايات جنوب وشرق افغانستان. والمناطق التي يرى الجنود الأميركيون والدوليون انها تفتقر الى الأمن، يرى الأفغان أنها آمنة. والنظر إلى عدد حوادث العنف وتعاظم وتيرته لا يرسمان صورة دقيقة للوضع. وهذا شأن النظر الى معدلات انتاج المخدرات معياراً لتطور الأوضاع في افغانستان. وارتفع حجم إنتاج المخدرات، إثر انهيار حكم طالبان، وبلغ 4200 طن العام الماضي. ويتوقع ألا يتراجع حجم الإنتاج، على رغم مساعي مكافحة زراعة الأفيون، واستبدالها بمزروعات بديلة. وفي الماضي، بسطت طالبان سيطرتها على مساحات كبيرة مزروعة بالمخدرات، ولم تفك قبضتها عنها. وتقليص الإنتاج أسهم في رفع أسعار المخدرات، وزاد، تالياً، دخل كبار التجار وأمراء الحرب السابقين والمسؤولين المتواطئين معهم. وانتقل إنتاج الأفيون إلى وسط البلاد وشمالها، غداة اضطراب الوضع الأمني في البلاد. وأبرز المشكلات الأمنية مردها الى التقاء مصالح قوى المتمردين والعصابات المسلحة الإجرامية، وتجار المخدرات، معاً، واندماج هذه المجموعات وتوحيدها قواها. ويبلغ عدد المجموعات هذه نحو 25 مجموعة مسلحة، وتنشط في قندهار وزابول. ومسألة سلطة الدولة بأفغانستان شائكة ومركبة. فهي تجمع بين ديناميتين مختلفتين ومتباينتين. ومرآة الدينامية الأولى هي الجانب العلني من السياسة الأفغانية. وهي تسعى في ارساء الإصلاح، وتعزيز ادارات الدولة والقطاع الأمني، وإبراز مجالس منتخبة في الولايات، ومكافحة الفساد. وتحمل الوكالات والمؤسسات الدولية لواء الإصلاح بأفغانستان. وبدأت مساعي الإصلاح تؤتي ثمارها. فعلى سبيل المثال، حسّنت التعديلات الإدارية أوضاع الموظفين المدنيين، ورفعت رواتبهم. وعلى رغم أن هذه الإصلاحات اقتصرت على كابول، بدأ اثرها يظهر في مراكز الولايات مثل هرات ومزار الشريف. ووراء مشروع بناء الدولة دينامية سياسية أخرى معقدة ومركبة. فالحكومة تدير شبكة علاقات كبيرة تمتد في مقاطعات البلاد ال330، وتتصل بقادة محليين وطالبانيين سابقين ومسؤولين بلديين. ويؤيد الأميركيون التوجه هذا. ومن ثمار النهج هذا انضمام اسماعيل خان، «امير» غرب افغانستان، الى البرلمان، وتعيين رشيد دوستَم، امير الحرب الشمالي، في الجيش المركزي الأفغاني. وأسهمت كلتا الخطوتين في تذليل المعوقات امام أداء كابول الرسوم الجمركية وضرائب الغاز. والانتخابات الأفغانية قد تؤول الى بروز افغانستانين. افغانستان الأولى تحاول الموازنة بين مراكز القوة المحلية وسلطات الدولة، والثانية أفغانستان العصابات وتجار المخدرات والجماعات الأصولية التي تجتمع على منع تأسيس دولة معترف بها. وتأثير الانتخابات في مستقبل أفغانستان هو رهن قدرة البرلمان الجديد على الموازنة بين السلطة التنفيذية وبين تفادي الانزلاق الى رعاية الفساد. * باحث، عن موقع «أوبن ديموقراسي» البريطاني، 13/9/2010، اعداد جمال اسماعيل