أبقى مع تزوير التاريخ وما يكتب الليكوديون عن غرناطة، فهم ينكرون تسامح الإسلام ثم ينفون ما يزعمون انه تشويه الإرث اليهودي - المسيحي. في كل مرة أسمع هذه العبارة الكاذبة سارد عليها، فلا إرث يهودياً - مسيحياً ابداً، وإرث النهضة الغربية كلها مسيحي خالص، أسهم المسلمون فيه عبر جسر الأندلس، والإرث الأميركي تحديداً لا أثر لليهود فيه، فالعبارة دخلت قاموس السياسة الكاذب بعد الستينات من القرن الماضي فقط. في المقال عن التعليم الذي أشرت إليه أمس وجدت انتقاداً لثلاثة مفكرين أعرفهم وأحترمهم في فقرة واحدة فقط، والبروفسور جون اسبوزيتو هوجم كاعتذاري للإخوان المسلمين، وهذا أهون ألف مرة من اعتذاري لدولة الفاشست ومجرمي الحرب واللصوص، اي إسرائيل، وايضاً الشيخ يوسف القرضاوي، وهو بالمقارنة مع الليكوديين «فوق الشمس منزلة»، ومثله الصديق الدكتور عزام التميمي لأنه تحدث عن شهداء لا انتحاريين، وقد دعوت دائماً الى وقف العمليات الانتحارية، إلا أن نعل التميمي يظل أشرف من رقبة افيغدور ليبرمان وأمثاله. ووعدت القارئ أمس ألا أثقل عليه بكلام هؤلاء المتطرفين، فأكمل بشيء من التاريخ الأندلسي الذي قرأته تعليقاً على الليكودي تشارلز كراوتهامر الذي يلطخ صفحات «واشنطن بوس» الراقية بتطرفه. فهو كتب عن الانتحاريين وزعم أن لهم ذراعاً هائلة في الميديا والبروباغاندا، فيما أمثاله من عصابة إسرائيل يتحكمون بالميديا العالمية. وأقول للقارئ (لأنني لا أخاطب كراوتهامر أبداً) إن إسرائيل والاعتذاريين لها في الخارج صنعوا الانتحاريين وهم مسؤولون عن قيامهم وعن عملياتهم بسبب تواصل الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه عقداً بعد عقد. وفي التاريخ الذي كنا شهوداً عليه لم يجد أبو عمار ورفاقه في المقاومة الفلسطينية كلها انتحارياً واحداً في مطلع السبعينات، فكان أن ثلاثة فدائيين من الجيش الأحمر الياباني قاموا بالعملية الانتحارية المشهورة في مطار اللد في أيار (مايو) 1972، وقتلوا 31 شخصاً وجرحوا 80 آخرين، وقُتل اثنان منهم وأسر الثالث كوزو أوكاموتو، ثم أطلق سنة 1980 في عملية تبادل اسرى. في الكتاب «تاريخ الأندلس» نقلاً عن كتب تاريخ إسبانية أن كاهناً في قرطبة اتهم بأنه شتم النبي وطعن بالإسلام قُتِل، وتبعه كاهن آخر مثل إمام قاضٍ مدعياً أنه يريد اعتناق الإسلام، غير أنه فعل كالكاهن الأول فقُطِع رأسه، وتحمس الكهنة وسواهم في الشتم والطعن حتى قضى 11 منهم في أقل من شهرين، ولم يرُق الأمر للأمير عبدالرحمن فاستدعى أساقفة الكنيسة لمنع الانتحار/ الاستشهاد، إلا أنهم لم يوفقوا. واستمر الأمر حتى الأمير محمد الأول الذي أعدم اسقف قرطبة نفسه واستعمل الشدة مع الباقين ليتوقفوا عن التضحية بأنفسهم. بعد الانتحاريين من الإسبان جاء اليابانيون الكاميكاز، والفلسطينيون والمسلمون تعلموا من غيرهم، وإذا كان الإسرائيليون لا ينتحرون فلأن عصابة الشر من لوبي وغيره ترسل الشباب الأميركيين الى الشرق الأوسط في حروب يقتلون فيها خدمة لإسرائيل. مرة أخرى، كان هناك اضطهاد بين حين وحين، وكان هناك تزمت، إلا أن أرض الأندلس احتضنت الجميع، والعرب أحبوا الطبيعة والطقس ووفرة الماء. وأبو الأجرب بن الصمة قال: ولقد أراني من هواي بمنزلٍ عالٍ ورأسي ذو غدائرَ أفرعُ والعيش أغيدُ ساقطٌ أفنانه والماءُ طيبة لنا والمرتع في كل ما سبق لم يُضطهد اليهود بأي شكل يختلف عن معاملة بقية الشعوب والطوائف، وينقل «تاريخ العرب» عن ابن أبي أصيبعة قوله: «وبرزت قرطبة مركزاً لدراسة التلمود التي أنذرت بافتتاح عصر الثقافة اليهودية في الأندلس. وكان يهود إسبانيا يحسنون لغة العرب ويأخذون بأزيائهم في الملبس وعاداتهم الاجتماعية». بعد سقوط الأندلس وقيام محاكم التفتيش، غادر اليهود البلاد مع المسلمين. أما الذين ذهبوا جنوباً الى المغرب فبقوا على دينهم حتى اليوم، ومن سلالتهم الحاخام عوفايدا يوسف، عرّاب شاس، الذي قال يوماً إن العرب أفاعٍ، ودعا أخيراً الى موت الفلسطينيين بالطاعون. ولا أقول عنه سوى انه خنزير. وأستعمل الكلمة عمداً، فاليهود الذين ذهبوا شمالاً عرفوا باسم «مارانو» وكانت في تلك الأيام بمعنى خنزير لأن اليهود، مثل المسلمين، لا يأكلون لحم الخنزير. وفي أيام محاكم التفتيش كانت تعني ايضاً «قذر»، إلا أنها لم تعد بهذا المعنى في اللغتين الإسبانية والبرتغالية الآن. المهم أن «المارانو» أصبحوا يدّعون المسيحية في الشمال خوفاً من القتل ويمارسون طقوس دينهم سراً في بيوتهم، ولكن بعد مضي أجيال فقد هؤلاء اليهود الصلة بأصلهم، وأصبحوا لا مسيحيين ولا يهوداً. ثم قتلت أوروبا المسيحية ستة ملايين من اليهود الخزر. في بلادنا بقي اليهود يهوداً وقام أمثال عوفايدا يوسف ليعضّوا اليد التي آوتهم وأطعمتهم وحمتهم. [email protected]