أكدت مؤسسة النقد العربي السعودي، أن الاقتصاد السعودي لم يتأثر بشكل واضح بالأزمة المالية العالمية، بسبب السياسات الرقابية والإشرافية المحافظة والحصيفة المتبعة منذ أمد بعيد، وأنه على رغم أن الاقتصاد العالمي استمر في التأثر بالأزمة العالمية العام الماضي، وانكمش الإنتاج العالمي للسلع والخدمات، إلا أن المتغيرات الاقتصادية في السعودية خلال الأشهر الماضية من العام الحالي تشير إلى معدلات نمو إيجابية. وأشار التقرير إلى أنه ما ساعد في تخفيف آثار الأزمة العالمية على اقتصاد السعودية عوامل عدة، أهمها متانة القطاع المالي المحلي، وزيادة الإنفاق الحكومي على رغم تراجع أسعار النفط الخام، إذ بلغ الإنفاق نحو 596.4 بليون ريال، وهي مستويات قياسية لم تسجل من قبل، وسجل ميزان المدفوعات فائضاً للعام ال 11 على التوالي بلغ نحو 85.4 بليون ريال. وأسهم القطاع النقدي والمصرفي في توفيره السيولة الملائمة لتمويل النشاط الاقتصادي، إذ زاد عرض النقود العام الماضي بنسبة 10.7 في المئة، إضافة إلى توسع المصارف التجارية في تقديم خدمات مصرفية حديثة ومتنوعة، كما تراجع التضخم المحلي مقاساً بالرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة، وبلغ نحو 5.1 في المئة، مقارنة ب 9.9 في المئة. وتشير معظم البيانات الاقتصادية المتوافرة حالياً إلى تحسن متوقع وملحوظ في الأداء الاقتصادي المحلي للعام الحالي على رغم معاودة الضغوط التضخمية، إذ سجل معدل التضخم في آب (أغسطس) 6.1 في المئة. واتبعت «ساما» سياسة نقدية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في القطاع المالي وتوفير السيولة اللازمة لتلبية حاجات الطلب المحلي على الائتمان، وذلك من خلال اتخاذ حزمة من الإجراءات الاستباقية لتعزيز وضع السيولة وخفض كلفة الإقراض، بهدف ضمان استمرار المصارف في أداء دورها التمويلي في التنمية بالمملكة، ومن أهم هذه الإجراءات خفض نسبة الاحتياط الإلزامي مرات عدة، وكذلك معدل عائد اتفاقات إعادة الشراء، ومعدل عائد اتفاقات إعادة الشراء المعاكس، وتعزيز وضع السيولة في النظام المصرفي عن طريق إنشاء ودائع مع المصارف المحلية لمدد طويلة نسبياً نيابة عن الهيئات والمؤسسات الحكومية بالعملة المحلية والدولار، وخفض تسعيرة أذونات الخزانة، وتسهيل عمليات مقايضة النقد الأجنبي بهدف توفير السيولة اللازمة بالدولار للنظام المصرفي المحلي. أما بالنسبة للسياسة المالية، فأوضح التقرير أن الدولة استمرت في التوسع في الإنفاق العام وزيادة ما تضخه مؤسسات الإقراض المتخصصة بما يقدر بنحو 40 بليون ريال خلال العام الماضي، كما نما نمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاع الخاص بمتوسط سنوي 5.1 في المئة في السنوات الخمس الماضية، وزادت الصادرات غير النفطية خلال الفترة نفسها بما متوسطه 14.6 في المئة، كما تحسنت بيئة الاستثمار في المملكة وتوج ذلك حصول المملكة على المركز الثامن عالمياً في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وبين التقرير أن إجمالي الإنفاق الحكومي بلغ خلال الفترة من عام 2006 إلى 2009 نحو تريليوني ريال، وسجل الإنفاق الحكومي العام الماضي 596.4 بليون ريال، كما أقر مجلس الوزراء أخيراً خطة التنمية التاسعة للمملكة (2010 - 2014)، التي تهدف إلى إعطاء ذلك أولوية قصوى لما له من تأثير مباشر في رفع مستوى معيشة المواطن وتحسين نوعية حياته، خصوصاً في ضوء ما رصد لها من إنفاق تنموي طموح بلغ 1.44 تريليون ريال، بما يزيد بنسبة 67 في المئة عما رصد من إنفاق تنموي خلال خطة التنمية الثامنة. وحدد التقرير عدداً من التحديات التي تواجه التنمية في السعودية، من أبرزها توظيف الشباب السعودي الذي يشكل أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن التقديرات تشير إلى أن البطالة بين السعوديين بلغت نحو 9.6 في المئة العام الماضي، ومن المهم الاستمرار في تكثيف الجهود الحالية لزيادة الاستثمار وتطوير رأس المال البشري بمشاركة فاعلة من القطاعين الخاص والعام، وتكثيف الجهود الرامية لتوطين الوظائف في القطاع الخاص، وبحث وتذليل المعوقات التي تحد من ذلك، وتحديد نسب سعودة تتلاءم مع طبيعة كل نشاط وقطاع على حدة، والعمل على تفعيل الإجراءات والأنظمة التي تحترم الإنتاجية وتحفظ حقوق العامل ورب العمل على حد سواء. أما ثاني التحديات، فهو حسن استخدام الموارد الاقتصادية للسعودية وأبرزها النفط والغاز اللذان يعدان أهم مقومات التنمية الاقتصادية للمملكة، إذ تشير الأرقام إلى أن معدلات الاستهلاك المحلي للمملكة من النفط والغاز في تنام مستمر وبنسب عالية، إذ بلغ متوسط نمو الاستهلاك المحلي منهما نحو 5.9 في المئة خلال الأعوام الخمسة الماضية، وهي نسبة نمو عالية مقارنة بنمو السكان وحجم الناتج المحلي، ما يستدعي بحث أسباب الزيادة في الاستهلاك من النفط والغاز والعمل على ترشيده. ولفت إلى أن ثالث التحديات هو توفير السكن الملائم للمواطنين، وهي قضية ذات أبعاد ومسببات مختلفة ولعل من أبرزها قلة توافر الأراضي القابلة للتطوير داخل النطاق العمراني وبأسعار مناسبة لدخل المواطن، وضعف مصادر التمويل بسبب غياب الإطار التنظيمي، وهنا تكمن أهمية إصدار أنظمة التمويل والرهن العقاري.