أكد عدد من الكتاب أهمية فن القصة لمناسبته للحظة الراهنة وأحوالها، موضحين أن السكاكين تكالبت عليه في الآونة الأخيرة. وعبر هؤلاء في حديث ل«الحياة» عن توقعاتهم أن تعمل جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية بالكويت على إعادة الاعتبار للقصة، وأن تعيد اهتمام النقاد والقراء إليها. وأوضحت الكاتبة السعودية خديجة النمر، التي دخلت القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية بالكويت، أن القصة القصيرة أشبه بحلم ساحر «ومغامرة سريعة خارج إطار المعتاد». وتتفق النمر مع الكاتبة الأميركية لوري مور من خلال مقولتها المشهورية: «القصة القصيرة كعلاقة حب، والرواية كالزواج». وتقول النمر ل«الحياة»: في الرواية، سواء في قراءتها أو كتابتها، لحظات ملل، وندم على الاختيار، ومزاج متقلب». وذكرت أن الذي يهمها في جائزة القصة القصيرة أن تلفت الأنظار لهذا الفن الأدبي، متوقعة أن يكون «أثر جيد على إقبال القراء على القصص القصيرة، وأيضاً تداولها نقدياً، وبالتالي تبديد مخاوف دور النشر التي تستبعدها غالباً». كما تمنت أن يكون للجائزة «دور في تغيير رؤية القاص تجاه القصة، فالكثير من القصص تعزوه الجدية، بعض كتاب القصة يعتبرونها مرحلة انتقالية أو تدريب على كتابة الرواية»، مشيرة إلى أن القصة ينقصها أن تفارق الواقع، «إذ أن كثيراً من القصص تستنسخ الواقع كما هو حتى تنتهي إلى مجرد ثرثرة وتكرار». في حين يرى القاص اليمني لطف الصراري أنه من خلال مستوى الاهتمام بجائزة الملتقى، وجدية منظميها، «أعتقد بأنها ستحرك الاهتمام العربي بالقصة القصيرة. عادة ما كان الاهتمام بالقصة القصيرة مقتصراً على تشجيع محدود على مستوى بعض المجلات أو جهات تريد فقط الإسهام بالحفاظ على هذا النوع الأدبي من الاندثار. بمعنى أنه كان مجرد تشجيع لا يختلف عن المسؤولية الاجتماعية بالنسبة للشركات التجارية تجاه الفقراء»، مشيراً في حديث ل«الحياة» إلى أن الأمر يبدو مختلفاً مع جائزة الملتقى، «من ناحية مستوى التنظيم والمعايير الأدبية والأسماء والجهات المنظمة. كل ذلك يعطي انطباعاً بأن هذه الجائزة تتعامل مع فن القصة من منطلق الاعتراف بحقه في الوجود والاستمرار. أتمنى أن يتحقق ذلك، ليس بالضرورة على حساب الرواية أو أي فن آخر. المهم أن تأخذ القصة القصيرة مكانها في دوائر الاهتمام، ابتداءً بالقارئ وليس انتهاءً بالكاتب». وقال الصراري: «لا أستطيع التكهن بما لم يحدث أو يقال بعد. ما أراه في جائزة الملتقى حتى الآن أنها حركت مياهاً راكدة في بحر القصة القصيرة. جودة الأعمال المختارة في القائمة القصيرة، بما في ذلك العمل الذي سيفوز بالجائزة الأولى، هي ما سيحدد إذا ما كانت الجائزة ستنجو من «اللغط» أم لا. لكن باعتقادي الأمر يتعلق بوجاهة أي انتقاد للجائزة، أما «اللغط»، فليس فيه أي وجاهة»، لافتاً إلى أن ما ينقص القصة القصيرة في العالم الناطق بالعربية، «هو تجويدها وتطويرها بالتجريب أولاً، بمعنى أن تأخذ شكلها ومضمونها من بيئتها وليس بالمحاكاة لبيئة ولغة أخرى. ثم يأتي دور الاهتمام والتقدير، من منطلق الاعتراف بحقها في الوجود والاستمرار، وليس تعاطفاً مع فن يتعرض للطمر». ويقول الكاتب المصري محمد رفيع أن وجوده في القائمة القصيرة للجائزة يعني له الكثير، «أجمل ما يعني أن العمر لم يذهب هدراً وأنني أسير على الطريق الصحيح، فأحياناً من فرط صخب الحياة وفرط ضغوطها الساحقة نكاد نكفر بالطريق الذي اخترناه ويكاد يتسرب إلينا اليأس ونشعر أننا نحرث في البحر إلى أن يجئ حدث كهذا يعيد اليقين إلينا ويعطينا زاداً روحياً لتكملة الطريق، غير عابئين بصعوبته وبكم المعوقات ونزداد إصراراً على إصرار». ويرى الرافعي في حديث ل«الحياة» أن الجائزة ستسهم في إعادة الاعتبار للقصة القصيرة، إذ قال: «فن القصة القصيرة تحول في السنوات الأخيرة إلى فن مغبون تكالبت عليه السكاكين من دون داع، وكأن الناس يقتصون منه، فالنقاد الكبار هجروا الكتابة عنه، والناشرين ينشرونه على استحياء، والقراء هجروه إلى فنون أخرى، على رغم أنه أكثر مناسباتية في ظني لحاضر العصر، وأنه فن شديد الجمال، وأنا شخصياً اعتبرت مجرد ظهور جائزة الملتقى وقبل التقدم إليها نصراً لهذا الفن، وفرحت على المستوى الشخصي، لأن هناك من تنبه إلى أن هذا اللون الأدبي في حاجة إلى دعم ولفت الأنظار إليه وهذا ما تحقق». واستبعد الرافعي أن تنجو أي جائزة من اللغط، «مهما كانت نزاهتها لأن المتربصين كثر، لكن الحقيقة أنا أشهد أن لجان التحكيم في جائزة الملتقى تتوخى أقصى درجات الشفافية والحرفية في الأداء ليس لأني أعرف طريقة عملهم، ولكن لأني سمعت كثيراً إلى أن الجوائز تعتمد في الأساس على شبكة مصالح وعلاقات وأنك لن تحصل على شيء من دون أن تكون طرفاً في ذلك، وهذا غير صحيح على الأقل فيما رأيت»، مشيراً إلى أنه لا تربطه بأي أحد مصالح مشتركة، «أنا مستقل تماماً عن الشللية حتى أن اسمي لا يذكر في كثير من المحافل ولا أعمل بأي مؤسسة صحافية أو ثقافية أو حكومية من الأساس ولا امتلك أي منبر أتحدث فيه عن أحد، ولا أملك إلا قلم على المكتب وجذوة في الضلوع وورقة بيضاء كقلبي وثيابي هي كل أسلحتي.لا تربطني بأحد سوى المحبة الخالصة والاحترام والإبداع فقط من دون أي شكل من الأشكال المادية. لكن على رغم ذلك الجدل قائم والخلاف لن يموت والقافلة ستسير لغطوا أو لم، تجادلوا وتناطحوا وتشاجروا بالأيدي أو بالفم، ستسير القافلة من دون أن تهتم ومن دون أن نهتم نحن إلا بالكتابة، وحدها هي طوق النجاة والمشوار المنحوت والمقدر وما الجوائز إلا قنديل ينير الطريق برهة ويهدينا السبيل كلما كلّت القدم وتعاظم الألم وزاغ البصر وتسرب خفاش اليأس إلينا». وأكد الرافعي أنه لا ينقص فن القصة القصيرة، «إلا أن يتم عرضه وتسويقه في شكل جيد والاهتمام به إعلامياً وعدم تكريس أشكال أخرى بغية الربح عمداً، وأن يحلّق كتابه بلا خوف في سماوات مختلفة مجربين ومجددين في المعمار والشكل من جهة، ومن جهة أخرى في المضامين والأفكار من دون مغالاة أو تعالٍ على القارئ». وكان مجلس أمناء جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، أعلن في وقت سابق ما توصلت إليه لجنة التحكيم بعد تقييم الأعمال، التي وصلت إلى القائمة الطويلة للإعلان عن القائمة القصيرة، والتي تضم خمسة أعمال هي: «مصحة الدمى» للكاتب المغربي أنيس الرافعي، الصادرة عن دار العين للنشر، و«الأفكار السابحة بين الأرض والسماء» للكاتبة السعودية خديجة النمر، والصادرة عن منشورات ضفاف، و«الرجاء عدم القصف» للكاتب اليمني لطف الصراري، والصادرة عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، و«نُكات للمسلحين» للكاتب الفلسطيني مازن معروف، والصادرة عن الكوكب رياض الريس للكتب والنشر، و«عسل النون» للكاتب المصري محمد رفيع الصادرة عن روافد للنشر والتوزيع.