يأتي الاتصال الذي أجراه الرئيس السوري بشار الأسد برئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري ليؤكد أن لديهما - كما تقول مصادر سياسية مواكبة للمسار الذي بلغته العلاقة بينهما - رغبة مشتركة في الاندفاع باتجاه تمتينها وترسيخها وعدم العودة بها الى الوراء، على رغم أن هذا الاتصال يزيد من توجس البعض الذي لا يزال يراهن على أنها موسمية غير قابلة للصمود في وجه المتغيرات التي تشهدها المنطقة وارتداداتها على الساحة اللبنانية. وتصنف المصادر نفسها اتصال الأسد بالحريري على خانة التأكيد على استمرارية التواصل والرد في حده الأدنى على الذين سألوا عن مصير العلاقة في ضوء احتدام السجال في شأن القرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وعن المحكمة الدولية خصوصاً أن من قاد الحملة على الأخيرة هم من حلفاء سورية الذين لم يكفوا عن المطالبة بإلغائها. ولفتت المصادر عينها الى أن اهمية الاتصال تكمن في ان دمشق ارادت تمرير رسالة من خلاله جاءت في الوقت المناسب وفيها أنه لا بد من خفض سقف التوتر السياسي لاعادة الاعتبار لروحية التفاهم السوري - السعودي وللمفاعيل الايجابية للقمة الثلاثية التي استضافتها بيروت أخيراً وشكلت شبكة أمان لحماية السلم الأهلي وتثبيت الاستقرار العام. واعتبرت ان الاتصال لا يعني أبداً سحب التراشق في شأن القرار الظني والمحكمة الدولية من التداول بمقدار ما انه يهدف الى منع خرق السقوف السياسية وصولاً الى تعميم الفوضى السياسية وهذا ما حصل في محطات سابقة عندما تدخلت دمشق لإعادة الامور الى نصابها في منطقة العمليات المشتركة للجيش اللبناني و «يونيفيل» في جنوب الليطاني في اعقاب التوتر الذي عاشته هذه المنطقة من جراء توتر العلاقة بين الأخيرة و «حزب الله». وتابعت المصادر أن دمشق لم تتدخل مباشرة لاستيعاب التوتر بين «حزب الله» و «يونيفيل» بل أوكلت هذه المهمة الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي كان أول من التقط الرسالة السورية وسارع الى رعاية اللقاءات المشتركة التي أدت الى تنفيس الاحتقان وإعادة الهدوء الى الجنوب. وفي هذا السياق توقفت المصادر أمام دور مماثل أناطت به دمشق لزعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية وتجلى في طي صفحة الحديث عن احتمال التغيير الوزاري الذي قاده رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون من خلال تأكيده أمام عدد من السفراء بأن لبنان يستعد للدخول في مرحلة سياسية جديدة وأنه قادر على تغيير قواعد اللعبة قبل أن يكتشف بأنه يغرد وحيداً خارج السرب. كما توقفت أمام المساعي السورية التي كانت وراء وضع حد للتأزم الذي مرت فيه علاقة «حزب الله» بجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية في بيروت «الأحباش» على خلفية الصدام المسلح الذي اندلع بين محازبيهما في عدد من الاحياء في الشطر الغربي من بيروت. ورأت هذه المصادر في التدخل السوري المباشر لانهاء الصدام بين حليفين لدمشق على أنه اشعار للطرفين بأنهما في حاجة الى دورها من أجل تهدئة الوضع وقالت ان تدخلها زاد من زخم دورها على المستويين الأمني والسياسي من جهة وأفسح في المجال أمام قدرتها على أن تضم نفوذهما حتى لو لم يظهر ذلك الى العلن. لكن المصادر المواكبة تتعامل مع اتصال الأسد بالحريري على أنه رسالة سياسية يراد منها التأكيد على أن علاقتهما لن تتأثر سلباً بتصاعد السجال في شأن القرار الظني والمحكمة الدولية مع أن دمشق لم تعترض على تحرك «حزب الله» وإنما تدخلت لمنع ردود الفعل عليهما من أن تخترق السقف السياسي على نحو يهدد تفاهمها مع المملكة العربية السعودية ومن خلالهما المفاعيل الايجابية للقمة الثلاثية. وأوضحت المصادر بأن بعض الحملات على القرار الظني والمحكمة الدولية وصولاً الى شهود الزور كانت في ظاهرها اطلاق النار على المحكمة بالمعنى السياسي للكلمة، لكنها في باطنها استهدفت علاقة سورية بالحريري انطلاقاً من تقدير أصحاب هذه الحملات بأن القصف السياسي على الأخير سيضطره الى قلب الطاولة على رؤوس من يقودها من دون أن يعفي سورية من مسؤوليتها بذريعة أنهم حلفاء لها. إلا أن الحريري - بحسب المصادر - لم ينقاد الى لعبة خصومه ومنافسيه ويقع في المكمن الذي نصبوه له وبالتالي يبادر الى الانقلاب على علاقته بالقيادة السورية لا سيما أن بعض من قاد الحملات ضده هم من الذين لم يخفوا توجسهم من الخطوة الأولى التي قام بها الحريري باتجاه اعادة ترميم علاقته بسورية وانما كانوا يراهنون على أن ينوب عنه حلفاء الأخير في قوى 14 آذار في هذه المهمة عبر قيامهم بتوجيه الانتقادات لزيارته الأولى الى دمشق في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. لكن تفهم حلفاء الحريري لانفتاحه على دمشق وكما تقول المصادر - دفع بعدد من خصومه الى تولي هذه المهمة بصورة مباشرة عبر مبادرته الى التشكيك بنياتها في فتح صفحة جديدة مع دمشق واعتباره كل ما حصل ابان فترة الصدام السياسي على أنه من الماضي وأن لا مصلحة له في استحضاره. وتضيف المصادر بأن بعض خصوم الحريري اتهموه بالمناورة وأنه يخوض من خلال انفتاحه على دمشق لعبة كسب الوقت ليعود الى الانقلاب عليها فور حصول متغيرات في المنطقة ومنها في لبنان. لكنهم صدموا بالمواقف التي صدرت عنه أخيراً وبالذات ابان اشتداد الحملات عليه وفيها اصراره على مجموعة من الثوابت أبرزها المضي في انفتاحه على سورية. وبكلام آخر أراد الحريري أن يوجه رسالة سياسية واضحة الى القيادة السورية في شأن علاقته بها، خلافاً لما كان يراهن عليه البعض من أنه سيقوم برد فعل سلبي وهذا ما قوبل بموقف مماثل من الأسد عبر عنه في اتصاله الهاتفي. ومع أن مضمون الاتصال سيبقى سراً حتى اشعار آخر بسبب رغبة الحريري في الابقاء على مداولاته بهذا الخصوص بعيداً من متناول الاعلام فإن خصومه في المقابل يدركون جيداً المعنى السياسي لهذه المبادرة من الأسد التي تبقى في حدود السعي من أجل خفض منسوب التوتر من دون ان يترتب عليها تداعيات على علاقة دمشق ب «حزب الله» او حلفائها الآخرين علماً ان رئيس الحكومة لم يذهب الى دمشق للاستقواء على هذا الفريق أو لالغاء ذاك وانما على قاعدة انه اجرى مراجعة نقدية في مكان ما استدعت منه قراره الجريء بفتح صفحة جديدة وعن قناعة لتعزيز التعاون بين البلدين وبالتالي لم يراهن يوماً على ان تكون تحت هذه الخطوة مبادرة القيادة السورية للاعداد من اجل فسخ علاقتها ب «حزب الله».