لم يُبدِ روائيون ونقاد سعوديون تفاؤلهم الاستشرافي بالرواية السعودية في الليلة الأولى من ليالي الرواية السعودية، التي أقيمت في مركز الملك فهد الثقافي اليومين الماضيين، برعاية الأديب السعودي سعد البواردي، وفي حضور كوكبة من النقاد والروائيين السعوديين والعرب. وافتتح الأديب سعد البواردي الفعالية، مشيداً بإدارة مدير المركز محمد السيف للفعالية، وإشراف الروائي والناقد خالد اليوسف، وقال: «إن الرواية قامة فكرية، وتمتاز بالطرح المتمكن، وأنها «منتج إرادة واعية»، موضحاً أنه لا يعد نفسه روائياً، ولكنه معجب وقارئ لهذا الرمز الفني الجمالي. وابتدأ الروائي محمد المزيني الجلسة الأولى، التي حملت عنوان: «ندوة حول الرواية السعودية - واقعها واستشراف مستقبلها»، وشارك فيها النقاد صالح زياد الغامدي وسلطان القحطاني وخالد الرفاعي، والروائيان أحمد الدويحي وصالح الحسن، والأديب عيد الناصر. وقال المزيني: «إن الفعالية عرس ثقافي حكائي، وإنه لا حقيقة للصراع الذي افتعل بين الرواية والشعر، وإنها ليست فناً حكائياً فحسب، وإنما هي فلسفة حياة واستشراف للمستقبل. ضارباً المثال بالروائي كافكا، الذي وصفه بأنه كان مريضاً في نضارة شبابه، ثم بعد حشد من القراءة تحول إلى الرواية». وأضاف أن من أدوار الرواية استعادة الماضي لاستشراف المستقبل، واصفاً القراءة والمعرفة بأنها هي منبع هذا الفن. وفي كلمته قال الناقد صالح زياد: «إن استشراف مستقبل الرواية لا يعني معرفة مستقبلها، واصفاً مرحلة السبعينات الماضية بأنها كانت مرحلة قلة في أعداد الروائيين، فكان ثمة تطلع إلى الكثرة، وأما الآن وبعد الكثرة فالسؤال هو سؤال الجودة». وأضاف زياد: «نبحث عن أعمال متفردة وابتكارات سردية»، واصفاً الرواية بأنها «منشور حقوقي»، وأنها فن مندفع للمستقبل، وفعل نقدي، وهي تزهد في واقعها وتطمح إلى أفضل منه، وهي بطبيعتها وتكوينها فعل غير راض عن الواقع، بل هي ضد السائد، وإنما هي «اختراق مستمر لما هو متوقع ومألوف»، بل إنها «فن مفتوح على استيعاب الأجناس الأخرى». أما الروائي أحمد الدويحي فقال: إن القصة القصيرة شكلت حضوراً مدهشا في الثمانينات والتسعينات، وحظيت بطبيعتها بمكانة ومتابعة، واقتربت من اللغة الشعرية الحداثية السائدة آنذاك، وحوت تقنيات سردية وسمات عدة، منها تجسيد فضاءات حالات مأزومة؛ كالضياع والغربة والحرمان والرحيل والاستلاب والشتات والسفر وصدمة المدينة والجنون. وأضاف الدويحي: تلك العوالم هي التي شكلت الطفرة الروائية في التسعينات، وكانت الرواية بدأت في مكةوالمدينة، وانتقلت إلى بقية أرجاء البلاد، ضارباً المثال برواية «التوأمان» لعبدالقدوس الأنصاري، مشيراً إلى أن فترة التسعينات كانت فترة الإتقان الفني في الرواية. ووصف ما بعد ذلك بأنه مرحلة الطفرة التي شهدت - بحسبه - سلبيات عدة، منها تراكم الكتابة من دون فرز نقدي، ويعكس بؤس المشهد الثقافي، وصدرت أعمال لم تجد من يناقشها. غير أنه ذكر من الإيجابيات دراسة هذا المنتج الروائي في الجامعات، «أذكر أني قلت في مرحلة مبكرة: ستتبع هذه الطفرة الكتابية طفرة نقدية». وتابع: «هذه الطفرة جاءت من الجامعات نقدياً، وتحديداً من جامعة الإمام، وسبب ذلك وجود دكاترة من شمال أفريقيا». أما الناقد خالد الرفاعي فوجه مشاركته إلى من أسماهم «الواقفين على أعتاب التجربة الروائية، وحذرهم من الوقوع في دائرتين؛ الأولى أسماها «دائرة البدايات»، وقال إنها مظنة النقص. ولاحظ الرفاعي أن الرواية السادسة للروائيين المستمرين في الكتابة محلياً، غالبا ما تكون أسوأ من الرواية الأولى، بسبب عدم صقل البدايات، وضرب المثال بنجيب محفوظ، للوعي بخطورة البدايات وأهمية التحول عندما يكون متوجباً، وقال: «إن نجيب محفوظ انتقل بعد الرواية الثالثة له من التاريخية إلى الواقعية، كما أنه توقف مع ثورة عام 52 عن الكتابة خمسة أعوام، حتى ظن بعض متابعيه أنه توقف عن الكتابة نهائياً، وذلك من أجل أنه يريد أن يتلمس طريقه ويتحول بحسب ما يحتمه الموقف الإبداعي». وأضاف: ثمة دائرة أخرى هي دائرة الطفرة الروائية، التي بسببها أصبح الكل روائيين، وهذا الأمر ليس تحولاً عادياً، لأنه جاء استجابة لعوامل خارجية، بسبب الصحف والأندية الأدبية والرسائل الجامعية وبرامج الفضائيات ودور النشر وكثرة المبيعات. ولفت إلى أن بعض دور النشر ألفت روايات بأسماء سعودية وهمية، مثل «فتاة الدمام» وكان بعض أصحاب هذه الدور يتدخل في النص، ما أنتج عجز أعداد كبيرة من الروائيين ومن الروايات عن تقديم أية قيمة فكرية أو جمالية». وإثر ذلك قال الناقد سلطان القحطاني: إن الرواية السعودية شهدت طفرة شديدة، إلى درجة أن من كان يعتبرها فناً تافهاً أصبح يبحث عنها لاحقاً. وروى القحطاني قصته في قسم جامعي، قائلاً: طلبوا مني في أحد الأقسام ترشيح روائي، ولما رشحته عاد علي الأمر بالتوبيخ؛ بدعوى أنه «يستهزئ بإمام المسجد، فيصفه بأنه عظيم البطن ويأكل كثيراً». وزاد: لم يكن للرواية قيمة، فأصبحت لها كل القيمة، وتحدث عن جيل الأربعينات، ممثلاً بالأنصاري، وعن جيل السبعينات، ممثلاً بحامد دمنهوري وإبراهيم الناصر الحميدان، ووصف مرحلة التسعينات بأنها مرحلة التطور الفني، ومرحلة القرن الجديد بأنها جاءت ب«اختلاط المفاهيم الروائية». وتابع: من أسباب الخلط أن الأساتذة الجامعيين غير المتخصصين في فن الرواية أصبحت تحال إليهم رسائل فيها، وأن كثيرين خلطوا بين السرد والرواية. وقال: مما دمر الرواية، جيل الناشرين، وطلب الشهرة السريع، وارتفاع طلب المتلقي، حتى إن روائياً وضع غلافاً لا يحوي في داخله إلا أوراقاً بيضاء فارغة، وسماها «رواية»، ومع ذلك اقتناها واشتراها المتسوقون. أما الكاتب عيد الناصر، فأحال ما وصفه بانحطاط الرواية إلى الانحطاط في المستوى التعليمي والاجتماعي والاقتصادي، إذ ضعف التعليم، بحسبه، وغابت الحياة التي يعيشها الإنسان في مهنة الإبحار والزراعة والتجارة، وعاش المجتمع وفرة اقتصادية غيبت التجربة الإنسانية. وقال الناصر: لا يكفي أن يكتب المؤلف عن علاقة بين شاب وفتاة لكي يقدم لنا عملاً ذا لبوس إنساني، بل إن مفهوم التجربة الإنسانية أكبر من ذلك بكثير. أما الروائي صالح الحسن، فعزا ضعف مستوى الرواية المحلية إلى الضعف اللغوي والأسلوبي، واستخدام تقنيات فنية تقصر تجربة الكاتب عليها، وضعف الفكرة المطروحة في النص الروائي، وهيمنة الراوي على السرد، والميل إلى استخدام الوسائل الخطابية المجردة، واستخدام العامية والترهل في السرد والحوار.