هدأ السجال اللبناني حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لكنه لم يتوقف، كذلك لم تتوقف تداعيات السخونة في هذا السجال، وما تفرّع منه وإن بدا أقل عنفاً وتصعيداً، بعد أن اتُفق في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت أول من أمس، وما سبقها من اتصالات للتهدئة، على «الارتفاع باللغة السياسية الى التخاطب العقلاني والحفاظ على المؤسسات ودعمها وإصلاحها واحترام القانون والاحتكام الى الشرعية وحل الخلافات بالحوار». وإذ غادر رئيس الجمهورية ميشال سليمان بيروت صباح أمس الى نيويورك على رأس وفد وزاري لإلقاء كلمة لبنان في الأممالمتحدة ثم القيام بزيارة دولة للمكسيك، أكد مسؤول اميركي في واشنطن أن لقاء كلينتون بالرئيس اللبناني ميشال سليمان غدا الجمعة سيشدد «على التزام واشنطن دعم المؤسسات اللبنانية وسيادة لبنان واستقلاله والمحكمة الخاصة بلبنان». وقال «اننا ملتزمون شراكتنا مع لبنان وتقوية مؤسساته». وتأمل الأوساط السياسية الرسمية بأن يستمر تبريد السجال المتواصل الى ما بعد عودته مطلع الأسبوع المقبل، والذي غلب على المداخلات التي تخللت جلسة مجلس الوزراء، خصوصاً أن القوى الإقليمية دعت إليه كما دعت سورية حلفاءها الى التزام سقف التفاهم السعودي - السوري القاضي بحفظ الاستقرار في لبنان والعودة عن التعبئة وتنفيس الاحتقان الذي تضاعف في الأيام الماضية. وينتظر أن يرفد استمرار التهدئة، إضافة الى قرارات القيادات الرئيسة، في البلاد، خصوصاً «حزب الله» وتيار «المستقبل» الالتزام بها، انتقال الاهتمام الى قضايا أخرى، فيبدأ مجلس الوزراء اليوم برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري درس مشروع موازنة العام 2011، في جلسات متواصلة تستكمل الإثنين والأربعاء المقبلين على أمل إقرارها قريباً لإحالتها على مجلس النواب ضمن المهلة القانونية خلافاً لموازنة العام الماضي التي كانت التعقيدات السياسية أخرت إحالتها ولم تقر حتى الآن في البرلمان. وبالتزامن مع التأكيد على معالجة القضايا التي أثيرت في معمعة السجال العنيف ضمن المؤسسات، كما أعلن مجلس الوزراء أول من أمس، فإن قضية الاستماع الى إفادة المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد حول تهديده رئيس الحكومة وتعرضه للقضاء وقيادات أمنية، التي أثارت رد فعل «حزب الله» فتضامن معه وتبنى حمايته، وأدت الى طلب السيد تنحية المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا عن القضية نظراً الى «الخصومة الشخصية بينهما»، شهدت أمس إحالة طلب السيد الى محكمة التمييز لدراسته، ليتقرر بعدها مصير الاستماع إليه بعدما رفض المثول أمام المباحث الجنائية المركزية. وترأس الحريري بعد ظهر أمس اجتماعاً لكتلة «المستقبل» النيابية أطلع خلالها النواب على نتائج اجتماع مجلس الوزراء وجدد تأكيده الثوابت التي سبق أن أعلنها الإثنين الماضي وهي التمسك بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان ورفضه أي تفريط بها، خصوصاً أن قضية المحكمة لم تعد في يد لبنان، بل باتت في الخارج، وتشديده على البيان الوزاري والتزام التفاهم السعودي - السوري وخيار الانفتاح الكامل على علاقة استراتيجية مع سورية من دون أي تراجع عنه واعتماد البيان الوزاري للحكومة الحالية بكل مندرجاته. وقال نواب في كتلة «المستقبل» إن الحريري شدد على ضرورة التهدئة في الخطاب السياسي قائلاً إن «هذا لا يمنع أن نرد على التعرض لنا إذا حصل في معرض الدفاع عن النفس» كما أبلغ الحريري أعضاء كتلته أنه سيتواصل مع الرأي العام في المرحلة المقبلة وستكون له إطلالات لم يحدد كيفيتها، لكنه شدد على أن التوقيت يعود إليه. وعلمت «الحياة» من جهة ثانية، أن الجهود التي أثمرت تبريداً للخطاب السياسي بعدما بلغ التخوين أحياناً واللغة المذهبية والتمادي في التجريح الشخصي أحياناً أخرى والمسّ بهيبة الدولة ومؤسساتها حداً غير مقبول، لم تقترن بالاتفاق على خطوات محددة تواكب التهدئة وترسخها لضمان عدم العودة الى التصعيد. وقالت مصادر واكبت جهود إنجاح التهدئة إنه «يبدو أن الأطراف سيتعاطون مع بعضهم بعضاً يوماً بيوم في انتظار إرساء خطوات واضحة استناداً الى خريطة الطريق التي تستند الى استيعاب الخلافات داخل المؤسسات». وفي هذا السياق قالت مصادر مطلعة إن «حزب الله» سيواصل حملته من أجل محاكمة شهود الزور وسيتابع تظهير موقفه من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مطالباً إياها بأن تتجه بالتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري نحو إسرائيل وفق ما سبق للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أن أعلنه في المعطيات التي سبق أن عرضها عن اتهامه إسرائيل بالجريمة. ولم تستبعد مصادر في المعارضة أن يطل نصرالله على الرأي العام قريباً ليعرض المزيد من المعطيات التي لديه عن اتهام الحزب إسرائيل، من دون أن تحدد موعداً لذلك. كما أن زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون سيتابع حملته على شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي. وكانت الأمانة العامة لقوى 14 آذار أصدرت بياناً أمس أشارت فيه الى «استباحة مطار رفيق الحريري الدولي من قبل الفريق الانقلابي» واتهمت «حزب الله» باجتياح حرم المطار «مستخدماً جحافل أمنية». ورأت أن سلوك الحزب ينال من هيبة الدولة ووصفته بأسلوب العصابات. وإذ أشارت قوى 14 آذار الى أن من قاموا بذلك هم الحزب والتيار العوني «وممثلون لقوى محسوبة على سورية مباشرة»، أدت هذه العبارة التي صدرت في البيان الى إصدار توضيح من عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش الذي حضر الاجتماع وفيه أنه «تم التوافق في اجتماع الأمانة العامة لقوى 14 آذار على بيان لم يكن يشير لا من قريب ولا من بعيد الى قوى محسوبة على سورية وبعد أن غادرت الاجتماع أذيع البيان بغير النص الذي تم التوافق عليه»، مشيراً الى أن هذه الجملة أضيفت عليه. وأكد علوش أن تيار المستقبل «بحلٍّ من هذه العبارة ويتحفظ تحفظاً كاملاً عنها». من جهة ثانية، وفي خطوة لافتة، زار وفد من «حزب الله» برئاسة مسؤول العلاقات العربية حسن عز الدين السفير السعودي علي عواض عسيري أمس لمدة نصف ساعة. وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية الرسمية أن السفير عسيري أبلغ الوفد أهمية التواصل الدائم، مشدداً على أهمية الرعاية العربية كل الأوضاع السياسية في لبنان. وأكد عسيري «حُسن العلاقة بين المملكة العربية السعودية ولبنان»، مشيراً الى «مروحة الاتصالات الواسعة التي تجريها القيادة السعودية الحريصة على التواصل مع كل الأطراف في لبنان». وقال: «أبواب السفارة مفتوحة أمام جميع الإخوة اللبنانيين، والمملكة على استعداد دائم للعمل لما فيه خير لبنان واللبنانيين. ونأمل بأن تكون الغيوم التي سادت الأجواء اللبنانية قد زيلت بفعل تعاون اللبنانيين وتفاهم جميع المخلصين للبنان، وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية وسورية». وأكد «أن المحكمة الدولية شأن لبناني داخلي»، وقال: «على جميع الفرقاء اللبنانيين أن يدرسوا هذا الوضع المهم في حوار بنّاء من شأنه أن يوفر أهمية التعاون لمواجهة إفرازات أي قرار ظني قد يصدر عن المحكمة. وهناك ضرورة لأن تنتج من الحوار والتفاهم بين الإخوة اللبنانيين خطة لبنانية للتعامل مع إفرازات القرار الظني، بما يحفظ الاستقرار في لبنان». وشدّد عسيري على أن «خادم الحرمين الشريفين حريص على وحدة اللبنانيين وتضامنهم وتعاونهم، مبدياً استعداده لبذل كل جهد يحفظ الاستقرار في لبنان».