بعد أن أكملت إسرائيل بناء القطار الخفيف الذي يربط مدينة «القدس الكبرى» بالمستوطنات الواقعة في القدسالشرقيةالمحتلة وعلى مشارفها، والتي تطلق عليها اسم «أحياء يهودية»، بدأت خطة جديدة لربط المدينة بكتل استيطانية موغلة في قلب الضفة الغربية، في خطوة تهدف الى ضم هذه الكتل الى الدولة العبرية. ففي وسط الضفة، ضمت السلطات الإسرائيلية مساحات واسعة من الأراضي الى البنية التحتية الإسرائيلية، فباتت غالبية أراضي محافظة سلفيت ومناطق جنوب غربي نابلس ومشارف الأغوار، امتداداً لمدينة «تل أبيب الكبرى»، من دون أن يطلق عليها رسمياً هذا الاسم. وفي جنوب الضفة، أقامت إسرائيل سلسلة من الطرق السريعة والأنفاق التي تربط المستوطنات في محافظتي بيت لحم والخليل بالمدن الإسرائيلية الواقعة على الجانب الآخر من «الخط الأخضر» الذي كان يعتبر حدوداً فاصلة بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. وتكفي جولة سريعة تبدأ من جنوب نابلس مروراً بمحافظة سلفيت وشرق القدس وصولاً الى مشارف بيت لحم والخليل، ليتضح أن إسرائيل تقوم باجتياح عمراني «هادئ» للضفة يشمل توسيع المستوطنات والمناطق الصناعية الاستيطانية والبنى التحتية اللازمة لها من طرق واسعة وعريضة وشبكات كهرباء واتصالات ومياه وقطارات وحافلات وغيرها. ويتحول المشهد الفلسطيني، بصورة تدريجية، الى مشهد إسرائيلي في هذه المناطق الحيوية من الضفة، والتي تضم سلسلة من الجبال والهضاب والتلال الممتدة في عمق الضفة، محيلة المدن والقرى الفلسطينية الى كانتونات متناثرة. وسيربط القطار الجديد القدس بمستوطنة «معالية ادوميم»، وهي مدينة استيطانية تمتد من شرق القدس حتى مشارف مدينة اريحا، وايضاً بالمستوطنات المحيطة بمدينة رام الله، العاصمة الادارية للسلطة. وبجوار مدينة «معالية ادوميم» الاستيطانية، تعمل السلطات الإسرائيلية على تهجير العديد من التجمعات البدوية لإقامة مستوطنة جديدة تسمى «إي 1»، والتي يعتبرها السياسيون والديبلوماسيون الأجانب المسمار الأخير في نعش مشروع حل الدولتين لأنها تفصل كلياً بين وسط الضفة وجنوبها. وأبلغت السلطات الإسرائيلية أخيراً مجمعات بدوية تقع شرق بلدة العيزرية المقدسية وشرق المستوطنة بقرارها نقل هذه التجمعات الى مناطق أخرى معزولة في الضفة. وقال سكان تجمع «أبو نوار» أن السلطات أبلغتهم بقرارها نقل تجمعهم الى منطقة تقع قرب مكب النفايات جنوب العيزرية. ولا يخفي عدد من قادة الحكومة الإسرائيلية مساعيهم الرامية الى ضم الضفة او اجزاء واسعة منها. ويتصدر وزراء حزب «البيت اليهودي» الذي يسمى حزب المستوطنين، الدعوات الى ضم الضفة. ويستند هذا الحزب الى دعم واسع من المستوطنين في الضفة والذين يبلغ عددهم 650 الفاً. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد الى مليون مستوطن وفق مشاريع التوسع الاستيطاني الحالية التي تستكمل في غضون السنوات القليلة المقبلة. ويسعى الحزب الرئيس في الحكومة «ليكود» الى ضم أجزاء واسعة من الضفة تترواح بين 50-60 في المئة من الأراضي، وتشكل الأجزاء الأهم من الناحية الجغرافية والاقتصادية والأمنية والجمالية. وتترافق المساعي الإسرائيلية لضم هذه الأجزاء من الضفة مع عمل سياسي دؤوب يهدف الى التخلص من قطاع غزة وسكانه الذين تجاوزوا مليوني نسمة، ويعيشون في شريط ساحلي ضيق وصغير (360 كيلومتراً مربعاً) مفصول كلياً عن الضفة، وإضعاف الدور السياسي للسلطة وتحويلها الى سلطة حكم ذاتي مسؤولة عن ادارة الخدمات للتجمعات الفلسطينية المعزولة خلف معابر عسكرية إسرائيلية. ووسعت إسرائيل أخيراً من دور دائرة الحكم العسكري في الجيش التي تسميها «الادارة المدنية» في الضفة على حساب دور السلطة الفلسطينية. وينشر منسق الحكم العسكري الإسرائيلي الجنرال يواف مردخاي يومياً أخباراً باللغة العربية على صفحته على الانترنت موجهة الى المواطنين الفلسطينيين، وتتضمن أنظمة وتعمليات وإجراءات لحركة الأفراد والسلع. وتزخر الأنباء القادمة من مكتب «المنسق» بالرسائل السياسية عن «لا جدوى» ما يسميه «العنف»، وعن فرص «العيش الكريم» و «التعايش» تحت الحكم الإسرائيلي. ويقول المسؤولون الفلسطينيون في اللقاءات المغلقة إن إسرائيل ترفض حتى تطبيق اتفاقات أوسلو المجحفة بحق الفلسطينيين لأنها تحاول القضاء على الدور السياسي للسلطة تمهيداً لضم الجزء الأكبر من الضفة وتكريس الحكم الذاتي للفلسطينيين تحت الاحتلال.