استدعت أزمة حكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان عقد بيع أراضي «مدينتي» (شمال شرق القاهرة) تدخل الرئيس حسني مبارك من أجل تشكيل لجنة قانونية تتوصل إلى حل لهذه المعضلة، بما يضمن تنفيذ حكم المحكمة، خصوصا أنه غير قابل للطعن، وفي الوقت نفسه حماية حقوق المستثمرين والحاجزين في المشروع الإسكاني الأضخم في مصر والذين يقدر عددهم بعشرات الألوف دفعوا بلايين الجنيهات إلى الشركة. وكانت المحكمة الإدارية العليا قضت ببطلان عقد بيع هيئة المجتمعات العمرانية أرض «مدينتي» على اعتبار أن البيع تم عبر التخصيص بالأمر المباشر وليس من خلال مزايدة علنية، كما يشترط قانون المزايدات والمناقصات. واعتبر رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف أن حكم المحكمة لم يقل بحدوث فساد ولكن ما حصل مجرد «خطأ إداري» تعكف الحكومة على تداركه. وسعى وزراء مصريون إلى تهدئة مخاوف الحاجزين، وأكدوا أنه لن يكون هناك أي مساس بممتلكاتهم وأن الحكومة قادرة على إيجاد حل قانوني لهذه الأزمة. من جانبها، أكدت الشركة أنها ملتزمة تعهداتها مع عملائها. واعتبرت أن المعنِي الأول بالحكم هيئة المجتمعات العمرانية وليس الشركة التي اشترت الأرض بعقد موثق مع جهة حكومية ومن ثم فإن الحكومة ملزمة بحل هذه الأزمة بما لا يضر بالشركة ولا بحقوق المساهمين. وهوت أسهم مجموعة «طلعت مصطفى»، المالكة للمشروع، في البورصة بنسبة تعدت 20 في المئة في الأيام التالية لصدور الحكم. ورغم محاولات الحكومة التقليل من خطورة الموقف، فإن خبراء قانونيين يرون أن الحكومة في مأزق حقيقي خصوصا بعد بناء الشركة المرحلة الأولى من المشروع وبيعه والشروع في بناء المرحلة الثانية وبيع وحدات منها. وعبروا عن مخاوفهم من مقاضاة المستثمرين الأجانب المشاركين في المشروع وحملة أسهم المجموعة في البورصة للحكومة المصرية «إذ إن خسائرهم نتجت من خطأ إداري باعتراف رئيس الوزراء». وعقد الرئيس حسنى مبارك اجتماعا وزاريا أمس حضره رئيس الوزراء ووزراء المال يوسف بطرس غالي والإعلام أنس الفقي والإسكان أحمد المغربي والتجارة والصناعة رشيد محمد رشيد والتربية والتعليم أحمد زكي بدر والنقل علاء فهمي ورئيس ديوان رئيس الجمهورية الدكتور زكريا عزمي. وأطلع الرئيس خلال الاجتماع على الوضع الحالي لمشروع «مدينتي» ووجه بتشكيل لجنة قانونية محايدة لحل القضية. وقال نظيف بعد الاجتماع إن الموضوع يخضع لدراسة دقيقة من قبل الحكومة ووجه الرئيس بضرورة حل هذه القضية مع الأخذ في الاعتبار حقوق جميع الأطراف، وضرورة الحفاظ على حقوق المواطن.واضاف: «في إطار الحكم ندرس جميع الجوانب القانونية حول كيفية استكمال هذا المشروع، واكتمال المشروع يعني أن فرص العمل ستستمر، كما ننظر إلى الشركة المنفذة التي ليس لها ذنب»، مضيفا: «لا بد أن نحافظ على مصالح المستثمرين (...) الشركة ملك لمستثمرين وليس لشخص وهناك عدد كبير من صغار المساهمين في البورصة». في هذا الوقت، قبلت محكمة القضاء الإداري أمس دعوى قضائية جديدة ببطلان عقد بيع أراض اشترتها شركة «بالم هيلز» من هيئة المجتمعات العمرانية في منطقة القاهرةالجديدة في آب (أغسطس) من العام 2006 مساحتها 966 ألف متر، إذ بيعت هذه الأرض بالأمر المباشر أيضا من دون مناقصة كما ينص القانون. وقال محلل أسواق المال في الشركة العربية للسمسرة في الأوراق المالية صلاح أحمد إن مثل هذه الأحكام «تهز السوق، خصوصا أن الاستثمار في البورصة له شق نفسي يؤثر في حركتها تأثيرا بالغا». وأضاف: «كان يجب أن تحل مثل هذه القضايا قبل صدور أحكام نهائية تثير مخاوف المستثمرين، خصوصا مع الحديث عن إمكان تكرار ما حدث في قضية مدينتي مع شركات أخرى (...) هذا تخريب للقطاع العقاري ذي الثقل في سوق الأوراق المالية». وفتح ملف بيع الأراضي المملكوكة للدولة على مصراعيه خلال الأشهر القليلة الماضية بعد قرار الرئيس مبارك سحب أرض جزيرة «آمون» في محافظة أسوان (أقصى جنوب مصر) من شركة «بالم هيلز» التي يملكها وزير الإسكان أحمد المغربي ووزير النقل السابق محمد منصور. كما تفجر جدل في شأن صفقة بيع 5867 متراً في ميدان التحرير في وسط القاهرة، وهي أغلى مناطق مصر على الإطلاق، إلى تحالف «أكور - سوسيتيه جنرال» والمساهم الرئيس فيه وزير الإسكان أحمد المغربي، إذ اعتبر الجهاز المركزي للمحاسبات أن «قصوراً شاب الصفقة في حفظ الحقوق تجاه المشترين أو المنتفعين» وأن الصفقة «تُمثّل إضراراً بالمصلحة العامة». وقال نواب في البرلمان إن سعر المتر يصل في هذه المنطقة إلى مئة ألف جنيه مصري (الدولار يساوي نحو 5.5 جنيه) وليس عشرة آلاف جنيه كما جاء في العقد.