حتى تُدرك اللعبة عليك أن تعرف أنّ لكلّ إنسان ثمناً قد ينخفض وقد يرتفع، لكنه محدد ومحدود في النهاية، وعليك أن تدفع الثمن. لكن لا، عندنا الجميع يود قضاء أموره «بلّوشيّ»، يعني بالعربي الفصيح بالمجان. عفواً: عليك أن تفهم ألا شيء بالمجان سوى الشمس والقمر والهواء وما تبقى له ثمن. وأنت أيها القارئ العربي لا تفهم، ولو الهوى هواك حتى موظفيك لن تدفع لهم رواتبهم ومعاشاتهم لو جاز لك أن تفعلها. ومن قال لك أن هناك من لا يفعلها و«يمرمر» زمان الموظف، خصوصاً إذا كان فقير الحال حتى يعطيه حقه، وإن لم تحترم العدل في المعاملة وإن لم يكن عندك حق غالباً، فما تقوم به وما تُقدِم عليه لن يكون في النهاية سوى إخفاق وسقوط في الهاوية، ولا يصح إلا الصحيح. لكن أبداً لا نعي ذلك. كل يُريد شد اللحاف إلى صوبه، الجميع يود أن يكون الغطاء لنفسه ولينكشف وليتعرّى من يتعرّى ويبرد من يبرد. معظمنا فيه نهم. نهم ليأكل الكعكة وحده. لا عذر عليك أن تأكل وتُطعم، تأخذ حقاً وتُعطي حقاً ومن دون ذلك خسارة. فلا تُصدّق أنّ هذا نجح لأنه حرامي، وذاك فشل لأنه شريف. لا يا عزيزي «عمره الحرامي ما نجح»، الحرامي فاشل في النهاية مهما كان مستدفئاً ومستوراً، فلابد أن ينظر يوماً في المرآة ويبصق على وجه من رأى. لنتوقف عن هذا التفكير الخاطئ السلبي، الناجح هو من يُدرك اللعبة من زمن البداية ونقطة الإنطلاقة الأولى، ويروح يُدوّرها ويسير معها إلى نهاية مشرّفة، يأخذ ثمناً ويدفع ثمناً لذلك يفهم المصالح المشتركة، يقدم واجبه أولاً ثم يسأل عن حقوقه، «واللي يقدم السبت يأخذ الأحد». لكن أحذرك قد تقدم أيام الأسبوع كلها ولا يعطوك ساعة. نحن نُعيب على مثل هؤلاء الناس تصرفاتهم. لماذا يا أخي؟ لماذا لا نتعلّم منهم؟ كيف ترى إسرائيل مصالحها وكيف تعمل على مصالح الأمريكان مثلاً، ولاحظ كيف استعملت كلمة «تعمل» بلا وعي مني، لأننا لا نعمل ونريد من يعمل من أجلنا وفداءً لراحتنا وبالمجان أيضاً. يا أخي كفاية! حتى لو ذهبنا في نزهة خارج بيتنا أو حتى من دون نزهة، وسخنا ورمينا ببقايا حطامنا وطعامنا وأعقاب سجائرنا وما خفي كان أعظم، ثم ندعو على رئيس البلدية ونتهمه بالتقصير وبالتبذير وننتقده في جلساتنا وجرائدنا. ماذا يفعل لنا رئيس البلدية؟ أيضع موظف نظافة لخدمة كل عائلة؟!... «الهوى هواكم» أن تُجيبوا بنعم. وإذا طالبنا فرض غرامات وعقوبات على من يرمي بالقذارة أو يخالف السير أو يتحدث بجواله وهو يقود سيارته أو... أو... تقوم الدنيا ولا تقعد، نصرخ ونولول ثم نقول يا سلام على مدنهم هؤلاء الغربيين ونظافتها وورودها وأشجارها وشبابيكها. فالخواجة يدفع ضريبة ويحافظ على كل ما دفع عليه من قرش. نعم يا سلام عليهم، ونحن حتى الثري بيننا يُريد كل شيء بالمجان، ولو أن عليه ري شجرة خارج حدود قصره لقال لك أن الماء شحيح وأنه لا يستطيع سقيا الشجرة. يعني إن لم تكن بالمجان لا ضرورة للشجرة، هذه من شؤون البلدية أو الصحة أو البيئة أو الجهات الزراعية أو الجهات الرسمية المهم: ما فيه دفع أو مسؤولية فهو ليس من شؤونه. ومع ذلك تستغربون أشد الاستغراب وتنتقدون أشد الانتقاد، ومن دون زعل حتى الموظف بيننا يُريد أن لا يأتي إلى عمله وأن يصله راتبه مع مكافأة أو علاوة آخر الشهر، يعني راتب بالمجان. عيب علينا، كلنا مخطئ، نفكر في حقنا فقط وننسى حقوق الآخرين، فقط لأننا تعودنا أن نأخذ ما نأخذ وكأنه فرض واجب، أن نأخذ بالمجان. فأخبرني كيف ستنمو الأشجار، وتزهر الورود، ويُبدع فنان، وينتصر جيش، ويضحك طفل، ويُرشد شاب، وتُنظّف بيئة، ويستقر مضطرب، إن لم نعط كل ذي حقٍ حقه. فلكل شيء ثمن، وبالمجان هذه لا تحصل إلا في عالمنا العربي، ولهذا لا شيء يحصل هذه الأيام. اعمل لنا تخفيضاً. خلف الزاوية إذ كنت تحتاج للأشواق لم ترني إلا ملبية زحفاً على جسدي ويوم همسة حب شئت أسمعها هربت يا قاتلي مني إلى الأبد [email protected]