اعتبر زعيم المعارضة البرلمانية التركية كمال كيلجدارأوغلو أن الوضع في البلد بات «أكثر سوءاً» ممّا خلال حقبة الانقلابات العسكرية، متهماً حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بإقامة «نظام بعثي». أتى ذلك بعد توقيف 18 من إعلاميّي صحيفة «جمهورييت» وإداريّيها، وهي أقدم مطبوعة في تركيا أُسّست عام 1924 بإشراف مصطفى كمال أتاتورك، بعد ستة أشهر على إعلان الجمهورية التركية الحديثة. واغتيل سبعة من كتّاب الصحيفة منذ العام 1978، وسُجِن بعضهم بعد انقلابَيْ 1971 و1980. وتعهدت «جمهورييت» مواجهة السلطات، إذ عنونت صفحتها الأولى أمس: «لن نستسلم»، علماً أن الشرطة تتهمها بارتكاب جرائم تصبّ في مصلحة «حزب العمال الكردستاني» وجماعة الداعية المعارض فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) الماضي. واعتبر رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، أن استهداف الصحيفة يشكّل «تجاوزاً لخط أحمر آخر ضد حرية التعبير في تركيا». وعلّق رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم قائلاً: «لا نعبأ بخطكم الأحمر. الشعب يرسم خطوطنا الحمر. ما هي شرعية خطك؟». وأشار إلى أن أنقرة قد تعتمد «تطبيقاً محدوداً» لعقوبة الإعدام. ونبّه كيلجدارأوغلو إلى أن «تركيا تعاني الآن أوضاعاً أكثر صعوبة وسوءاً من تلك التي مرّت بها خلال الانقلابات العسكرية، من تراجع في الحقوق والحريات». وأضاف أمام نواب «حزب الشعب الجمهوري» الذي يتزعمه: «اتهام صحيفة جمهورييت التي أسّسها أتاتورك، وكانت أهم منارة للعلمانية والحرية ومبادئ الجمهورية، بدعم الانفصاليين الأكراد أو جماعة غولن، لا يمكن أن يصدر إلا عن شخص عديم الشرف». وتابع ساخراً: «نسوا أن يتهموا الصحيفة بدعم (تنظيم) داعش أيضاً». وذكّر بأن العسكر أغلقوا «جمهورييت» بعد كل انقلاب، خشية مواقفها الحرة، معتبراً أن سعي الحكومة إلى الأمر ذاته «يشير إلى تهيئة ظروف للمحاولة الانقلابية، من أجل الاستفادة من تبعاتها لإسكات المعارضة وتصفيتها». وزاد: «أبحثُ عن مدعٍ عام جريء، ما زال لديه شرف ليسأل: مَن دعم جماعة غولن خلال 14 سنة، صحيفة جمهورييت أم الحكومة؟ ومَن هادن حزب العمال الكردستاني وأبرم اتفاقات معه، الصحيفة أم الحكومة؟ ومَن يتّفق مع زعيم الحزب عبدالله أوجلان على أن تسوية القضية الكردية تكون بنظام رئاسي للحكم، وفيديرالي للأقاليم، الصحيفة أم الرئيس (رجب طيب) أردوغان؟ مَن دعم غولن وأوجلان، ومَن يقف الآن في قفص الاتهام؟». وكان كيلجدارأوغلو علّق على تجميد الحكومة انتخاب عمداء الجامعات ورؤسائها، ومنح أردوغان صلاحية تعيينهم مباشرة، متهماً حزب «العدالة والتنمية» الحاكم ب «إقامة نظام بعثي». وقال لصحيفة «جمهورييت» إن تركيا «تنأى بسرعة من الديموقراطية، وتتحوّل دولة استخباراتية». ويرى ساسة معارضون أن تركيا مقبلة على مرحلة حاسمة ومتوترة، خلال طرح الحكومة تعديلاً دستورياً لتحويل النظام رئاسياً. ويخشى الأكراد والقوميون لجوء الحكومة إلى انتخابات مبكرة، إذا فشل هذا المشروع. وحذرت أوساط قريبة من حزب «العدالة والتنمية» من أن خروج مطاردة جماعة غولن عن مسارها، لتطاول المعارضة اليسارية والكردية، سيُضعف موقف الحكومة في إقناع الرأي العام والعالم بخطورة الجماعة التي استغلّت الأمر لتروّج، إعلامياً ودولياً، أن أردوغان يستخدم ملف الجماعة غطاءً لتصفية خصومه السياسيين.