أعجبتني التصريحات التي أدلى بها الأمين العام لهيئة السياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، إلى بعض وسائل الإعلام، وأكد فيها على أن هناك عقبات تواجه مجالات السياحة الداخلية وتتضمن تلك العوائق مجالات الخدمات من كهرباء وارتفاع أسعار الوحدات السكنية وغيرها من حاجات الزوار والسياح، وأن كل هذه الأمور تحول دون تطور السياحة الداخلية، وبلا شك فإن مثل هذا التصريح الجريء الذي صدر عن مسؤول رفيع يمثل قطاعاً مهماً لو كان نهجاً متبعاً من الجهات كافة بحيث يعترف كل مسؤول بأوجه القصور والعقبات التي تواجه إدارته، لكان ذلك علاجاً ناجعاً للقضاء على المشكلات كافة من أجل تنمية هذه البلاد، والحال نفسها تلك التصريحات التي أكد فيها وزير التربية والتعليم بأن هناك مشكلات وعقبات تعوق المجال التربوي في المملكة وتسهم في تباطؤ الأهداف التي وضعتها الدولة من أجل تطويره، وأوضح نماذج من تلك المعوقات والهدف بالطبع هو مساعدة الدولة في علاج تلك المشكلات، وهو نهج سليم نحتاجه في وقتنا الراهن للقضاء على الكثير من مشكلاتنا التنموية. إن مثل هذه التصريحات الجريئة لو كانت نهجاً يتبعه الوزراء والمسؤولون كافة باعترافهم عن أوجه القصور والعقبات التي تواجه قطاعاتهم على أن يتم ذلك بكل شفافية لتمت معالجة كثير من أوجه القصور، ولأسهمت في إحداث نقلة سريعة في القطاعات كافة تصب في مصلحة التنمية الشاملة من أجل رفاهية الجميع، ولكن مصيبتنا تكمن في مكابرة بعض مسؤولي القطاعات العامة والإصرار على أن لا عقبات تواجه القطاع الذي يترأسه، ويظل مدافعاً عن كل ما يتردد من اتهامات وقصور يوجه إلى إدارته ويسارع إلى النفي عبر وسائل الإعلام، ويزيد الأمر تعقيداً بتلك التصريحات التي يدلي بها في كل مناسبة، ليؤكد من خلالها بأنه لا توجد أي عوائق تواجه إدارته في تنفيذ المشاريع، ويظل متمسكاً بآرائه وأن الأمور تسير على أفضل ما يكون، الأمر الذي يتسبب في ضبابية تنفيذ المشاريع وبالتالي إهدار المال العام والنتيجة هي تباطؤ المشاريع، كما يحدث حالياً في معظم المشاريع التي تنفذ من كهرباء وماء وغيرهما. لو أن المسؤولين عن هذه القطاعات أدلوا بالحقائق وتناولوا العقبات والعوائق التي تواجههم لوضحت الصورة، وتصب في المصلحة العامة في تعريف الدولة عن تلك المعوقات، حتى تبادر إلى وضع حلول لإزالتها، فالدولة تنفق بلايين الريالات سنوياً على مشاريع التنمية وهي على ثقة بأن المسؤولين عن قطاعات التنمية هم على قدر كبير من المسؤولية التامة، ولكن تأتي النتيجة عكسية تماماً، فحينما يغادر المسؤول منصبه تتضح الفضائح وأوجه القصور التي واكبت تنفيذ المشاريع، كما حدث في جدة وبعض المدن الأخرى، حينما اكتشفت الدولة عمليات الفساد في تنفيذ كثير من المشاريع. لو أن الوزراء وأمناء المدن ورؤساء القطاعات الحكومية كافة انتهجوا نهج الأمين العام للسياحة الأمير سلطان بن سلمان واعترفوا بالعوائق والقصور بكل جرأة وصراحة لكان ذلك أفضل بكثير من الصمت الذي نشهده من معظم مسؤولي القطاعات، على رغم أن مبدأ الشفافية والصراحة سيسهم بلا شك في معالجة الأمور أولاً بأول، وسيعمل على مساعدة الدولة في الإسراع في عمليات التصحيح والتطوير، أما الصمت الذي يواكب تنفيذ المشاريع فهو المصيبة العظمى التي تقود إلى الفساد وإهدار المال العام. من جهة أخرى يدرك الجميع دور الخدمات الجوية في دعم السياحة الداخلية، لأنها رافد من روافد السياحة في أنحاء العالم كافة، إذ تتسابق شركات الطيران إلى تعريف العالم بمجالات السياحة في بلدانها وتوفير أساطيل جوية من أجل هذا الهدف، وما نلمسه اليوم محلياً هو العكس، إذ هناك قصور واضح من شركات الطيران المحلية، وعلى رأسها الخطوط الجوية السعودية في مجال دعم السياحة الداخلية، وهذا أكبر دليل يضاف إلى العقبات التي تواجه السياحة المحلية، إذ يتعذر على المواطنين أو السائحين الذين يفدون من خارج المملكة لقضاء إجازاتهم في الأماكن السياحية في مصايفنا الجميلة يتعذر عليهم ذلك، نظراً لمحدودية الرحلات الجوية الداخلية المتجهة إلى المصايف، وهذا الأمر ملموس للجميع، ولعلنا هنا نعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، إذ يدرك الجميع بأننا كنا نفتخر بأن المملكة تعد الأولى في مجال الطيران المدني، ممثلة في الخطوط الجوية السعودية التي كانت تمتلك أكبر أسطول جوي على نطاق الشرق الأوسط، وكانت تضاهي أكبر الدول في ذلك الوقت من حيث أسطولها الجوي، وما نشهده حالياً أمر غريب، فلقد تبدلت الحال بعد أن سبقتنا دول مجاورة وسحبت البساط من خطوطنا الجوية، بينما تحتفي بعض تلك الدول بانضمام 400 طائرة حديثة دفعة واحدة إلى أساطيلها الجوية نجد في المقابل أن الخطوط تحتفي بانضمام 80 طائرة، فهل يعقل ذلك وأين المنطق؟ هذا عدا تدهور مستوى الخدمات التي تشهدها معظم مرافق الخطوط، الأمر الذي انعكس سلباً على خدمات أكبر أسطول جوي في الشرق الأوسط، وشمل التدهور أيضاً مستوى المطارات، فها هي حال مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة الذي أصبح وكأنه مطار في عاصمة دولة نامية وليست متطورة. إن المطلوب هو سرعة معالجة وضع الخطوط الجوية السعودية، والخدمات الجوية التي تعد من أهم روافد السياحة والتنمية، وكذا بقية شركات الطيران المحلية ودعمها بعدد وافر من الطائرات الحديثة لمواجهة الحاجة الماسة لها، بحيث تعود إلى سابق عصرها الذهبي كأكبر أسطول جوي على نطاق الشرق الأوسط والعالم، كما أود التذكير بأن هناك اختلافاً كبيراً بيننا وبين الدول المجاورة، أو معظم دول العالم، فيوجد لدينا مهبط الوحي والرسالة، والحرمان الشريفان في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، إضافة إلى المناطق السياحية التي تتميز بها المملكة، وهذا يتطلب تكثيف الرحلات الجوية ومضاعفتها، وذلك يعني تأمين عدد كبير من الطائرات للقضاء على المشكلات التي نواجهها حالياً، كذلك سرعة معالجة أوضاع بعض المطارات الدولية كميناء جدة الجوي الدولي، الذي تشهد خدماته تدهوراً كل يوم. يذكر أن بعض المراكز القيادية في الخطوط السعودية تقوم على عاتق أكاديميين، بينما هم يفتقرون إلى الخبرة الكافية، إعتقاداً بأن لديهم عصا سحرية لإدارة وتطوير هذه المرافق وإحداث نقلة فيه، لكن الوقائع أثبتت عكس ذلك، ويكفي ما نشهده في تموين الخطوط الجوية السعودية الذي يشهد تخبطاً وتدهوراً، على رغم خصخصته، والمفروض أن يحقق نجاحاً، إذ أصبح «كوجبة كبسة»، وأنا هنا لا أنتقص من دور الأكاديميين ولكني أؤكد بأن التجارب أثبتت عدم جدارتهم في إدارة الكثير من المرافق ومنها مرافق خدمات الطيران، إذ لا جدوي من مؤهلات عليا تفتقر إلى الخبرة والدراية العملية، وكان من المفروض على الأقل أن يتم اختيار قياديي الخطوط السعودية كافة بموجب الخبرة والدراية بشرط أن يكون لديهم القدرة على قيادة هذا المرفق المهم أسوة بالدول الأخرى، كذلك من الضروري اختيار بقية أعضاء الطواقم الجوية كالمضيفين والمضيفات اختياراً أمثل، كاشتراط أن يكون الواحد منهم جامعياً وان يتسم باللباقة وفن التعامل مع الآخرين. أخيراً، لا ينكر الجميع بأن الخطوط نجحت في برنامج «الفرسان» فقط، على رغم ذلك وما يقال ويتردد عن النجاح، لكن السؤال المطروح هو أين المقاعد لمحظوظي «الفرسان» وغيرهم؟! [email protected]