يُحسب لأمانة مدينة الرياض خلال العقد الأخير الخطوات التطويرية التي لمسها الجميع، سواء في ما يتعلق بالأمور التنظيمية أو إقامة المهرجانات، أو حتى في استغلال المساحات التي استفاد منها سكان الأحياء السكنية. لن أسهب كثيراً في ذكر إيجابيات الأمانة خلال السنوات العشر الماضية، سأتطرق هنا إلى نقطة مهمة عانى منها الكثير في الأشهر الأخيرة. أتحدث في هذا الموضوع عن الثورة البلدية التي شاهدها الجميع، والمتمثلة في إعادة رصف الشوارع وتوزيع المسارات قرب الإشارات المرورية عن طريق فصلها بأرصفة إضافية، مع إعادة تركيب تلك الأرصفة بلون مختلف. لا أخفي أنني ومن خلال نقاش مع الكثير من الأصدقاء والمعارف، لمست اعتراضاً منهم على هذه الخطوة، التي أعتبرها – أنا شخصياً- خطوة غير موفقة، بل لا أبالغ إن قلت إنه فضلاً عن سلبياتها الكثيرة، فهي هدر مالي غير مبرر. السائقون من مواطنين ومقيمين لا يعانون ازدحاماً في تلك الشوارع – على الأقل في الأيام العادية - فهي في نهاية الأمر شوارع تظل محصورة في الأحياء السكنية ولا يسلكها عادة إلا سكان تلك الأحياء، فما الداعي لأن تقلل مساحة الشوارع وتزاد مساحة الأرصفة؟ في نهاية الأمر عانى السكان من اختناق مروري لم يكن له وجود سابقاً، أو لنكن واقعيين ونقول لم تكن ظاهرة يعانيها الجميع. من تجربة أؤكد أن مدة بقائي عند تلك الإشارات الضوئية زادت إلى الضعف بعد هذه الخطوات التي يقال عنها تطويرية. ثم إن هناك أولويات كان ينبغي على مسؤولي أمانة الرياض الالتفات لها، خصوصاً أن سكان الأحياء يقاسون آثارها السلبية منذ سنوات كثيرة، منها كثرة الحفر والمطبات الاصطناعية في الشوارع، الغياب التام للتنسيق بين الأمانة وبقية الجهات الخدمية، ما جعل الشوارع أشبه بالطرق الصحراوية، وبالتالي زاد من زبائن ورش الصيانة. علاوة على ما سلف كنا ننتظر حلولاً جذرية لما نعانيه نحن السائقون وأسرنا وأبناؤنا من اختناق في معظم ساعات اليوم طوال العام في الطرق الكبيرة والحيوية في العاصمة. كيف تجاهلت الأمانة هذه الظاهرة ولم تسعَ لإنشاء طرق أخرى موازية أو تبادر إلى التنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى لإيجاد مخارج من هذا المأزق الذي سئمنا منه جميعاً؟ حقيقة لم أستوعب حتى اللحظة اهتمام الأمانة بشوارع لا تعاني إلا من تشوّه طبقتها الإسفلتية، ومع ذلك لم تصلح هذا الخلل، بل ذهبت بعيداً جداً لتغير من واقع تلك الشوارع بتقليص سعتها وزيادة مساحة الأرصفة. قبل عامين أيضاً شاهدنا اهتماماً بالأرصفة الجانبية مع زيادة مساحتها رغبة في زيادة حق المشاة في الشوارع، وكأن مشكلاتنا توقفت على المشي في الشوارع، أو كأن سكان الأحياء يخرجون فرادى وجماعات لممارسة الرياضة. نحن لسنا في الصين أو الهند، فهناك الغالبية العظمى يمارسون المشي مجبرين لعدم امتلاكهم سيارات، ألا يعلم المسؤولون في الأمانة أن المقيمين لدينا حتى أصحاب المهن قليلة الدخل مسموح لهم بشراء السيارات؟ الجميع يشاهد في بعض الدول المتقدمة أرصفة لا يتجاوز عرضها متراً واحداً، بل إن هناك شوارع بلا أرصفة، لسبب بسيط أن الأمر لا يستدعي ذلك، لأن من يحدد ذلك هي الحاجة الفعلية للشارع نفسه، وليس مجرد تغيير بلا هدف واضح. بلا مبالغة أصبحت الشوارع ضيقة والأرصفة واسعة عديمة الفائدة، وبالتالي باتت شوارع الأحياء السكنية تنافس طريق الملك فهد وطريق خريص في الاختناقات المرورية، فهل يتنبه المسؤولون في الأمانة لهذا الخطأ الفادح؟