منذ بداية نيسان (ابريل) الماضي اعاد ابو ناصر تقسيم موازنته مجدداً، ووضع حصة أكبر للبنزين والاشتراك في المولد الكهربائي الذي لا تستغني عنه العائلات العراقية في صيفها اللاهب، وخصص مبلغاً لاقتناء «مبردة هواء» تقليدية لأن عدد «الأمبيرات» الكهربائية المخصصة لمنزله من المولد الرئيس في المنطقة لا يكفي لتشغيل التكييف. كما أقدم في الوقت ذاته على شراء كمية من البنزين وإخفائها في مخزن المنزل تحسباً لحدوث أزمة مفاجئة مثل كل سنة عندما تزيد ساعات انقطاع الكهرباء، فيزداد الإقبال على البنزين والكازولين لتشغيل مولدات الكهرباء المنزلية وتلك الخاصة بالأحياء لتعويض ساعات القطع. وهيأ في الوقت ذاته خزانات المياه التي يحتفظ بها في قبو المنزل لتلافي وقوع أزمة مفاجئة في المياه أثناء قطع الأنبوب الرئيس الذي يغذي العاصمة في الصيف. هموم ابو ناصر ليست فردية بل هي هموم يومية يعيشها العراقيون في فصل الصيف الطويل والمتعب في الوقت ذاته، وتزيد العواصف الترابية التي غالباً ما تضرب مدناً واسعة في العراق مع بداية شهر نيسان من كل سنة، من مشكلات الصيف في البلاد على رغم تأثيرها المباشر في خفض حرارة الجو. وعلى الطرف الآخر يقف مناصرو الصيف الذين تأقلموا مع همومه واتخذوا منه موسماً للهو والمرح، إذ يتجمع البغداديون سنوياً لإقامة مسابقات في السباحة بين ضفتي دجلة من الكرخ والرصافة يشارك فيها الشباب والكبار على حد سواء. ويتجمع المشجعون على ضفتي النهر ليخسر الفريق الفائز وليمة غداء خاصة من السمك «المسكوف» للفائزين تقام عصر يوم جمعة على الشاطئ. وقريباً من ميادين المسابقات تنطلق الزوارق الصغيرة التي تقوم برحلات نهرية قصيرة طوال النهار وفي الساعات الأولى من الليل تنقل خلالها العائلات على وقع الأغاني والأهازيج الشعبية. ويبدو أن تحسن الوضع الأمني في البلاد وعودة المطاعم البغدادية إلى فتح أبوابها مجدداً امام الناس، فضلاً عن افتتاح مجموعة من المتنزهات الصغيرة في العاصمة، أتاح للعائلات العراقية فرصة قضاء الصيف في المدن على رغم المتاعب التي يتعرضون لها. عراقيون آخرون اتخذوا قراراً بالفرار من الصيف العراقي فحزموا الأمتعة بانتظار انتهاء السنة الدراسية ليتوجهوا الى اقليم كردستان او إحدى دول الجوار. يقول علي (39 سنة) انه سيغادر مع عائلته الى إيران لقضاء فصل الصيف على أن يعود في نهايته، ويضيف «سأوفر نقود البنزين وخطوط المولد والماء لأقوم برحلة مع عائلتي، بدلاً من تحمل الصعوبات» علي يجد ان فصل الصيف يضاعف نفقات العائلة العراقية ومتاعبها وأن السفر هو أفضل طريقة للهرب من جحيم هذا الفصل في بلد يفتقر الى الخدمات الأساسية.