أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس أمس، أن قطاعات الشرطة والمالية والقضاء هي الأكثر تضرراً من الفساد المستشري في البلاد، في ظل مساع محلية لإرساء تشريعات جديدة تعزز جهود الدولة في التصدّي للفاسدين في القطاعين العام والخاص. وقال رئيس هيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب، أنه «يمكن اعتبار أن قطاعات الشرطة (وزارة الداخلية) والمالية والمرافق القضائية والصحة هي التي ورد فيها أكبر عدد من ملفات الفساد»، إذ ورد الى الهيئة نحو 500 ملف ضد وزارة الداخلية من ضمن 3 آلاف ملف تم تقديمها ضد عدد من الوزارات والمنشآت العمومية. وشدد الطبيب في حديث الى «الحياة»، على أن أهم الملفات الموجودة لدى القضاء هي صفقات الشراء العامة، معتبراً أن «هذا الملف محوري باعتبار أنه يرتب أضراراً على المالية والموازنة وهو من أبرز منابع الفساد في تونس». وتشير تقارير دولية ومحلية الى ارتفاع منسوب الفساد في تونس بعد الانتفاضة التي أنهت حكم الرئيس زين العابدين بن علي في كانون الثاني (يناير) 2011، حيث استشرى ما يسمى «الفساد الصغير» بعد أن كان الفساد يقتصر على المقربين من بن علي وعائلته. وأشار رئيس الهيئة الى أن «الحكومات المتعاقبة منذ الثورة رفضت منح الهيئة الإمكانات اللازمة للعمل في ظل غياب قوانين تجرم الفساد في القطاع الخاص وتحمي المبلغين والشهود وتمنع تضارب المصالح وتفرض التصريح عن الممتلكات». وتسعى حكومة رئيس الوزراء يوسف الشاهد، الى طرح مشروع قانون يتعلق بدعم النزاهة والتصدي للكسب غير المشروع بهدف مواجهة ارتفاع نسبة الفساد وتفشّي تلقّي الموظفين الرشاوى. وأكد رئيس الهيئة أنها تشارك في صياغة جملة من مشاريع القوانين، أهمها التصريح بالمكتسبات ومنع تضارب المصالح، وهي قوانين تشمل أكثر من 35 ألف موظف في القطاع العام وتتضمّن عقوبات صارمة. وأوضح أن الاهتمام بمحاسبة الفاسدين من عائلة الرئيس السابق والمقربين منه، حال دون الاهتمام بتفكيك منظومة الفساد بأكملها، إذ «عادت للعمل بعد الثورة واستغلّت ضعف الدولة». ورأى الطبيب أن «الخطير في الأمر هو دمقرطة الفساد، حيث كنا نعاني من بعض العائلات النافذة على رأسها عائلة الرئيس، والآن أصبحنا نعاني من عشرات الآلاف من الفاسدين الذين يعرفون المنظومة ومواطن الخلل ومواطن القوة، واستباحوا الدولة والمالية العمومية، وهو ما يفسر الارتفاع الكبير في منسوب الفساد». وحذر شوقي الطبيب من أن أكبر ضغوط على الهيئة هي تقليص صلاحياتها والحد منها، وأوضح أن «هناك جهات داخل الدولة لا تريد منح هيئة مكافحة الفساد صلاحية الضبط العدلي، في حين تُمنح هذه الصلاحية لأبسط عنصر شرطة أو جمارك أو موظف عمومي»، معتبراً أن ذلك يندرج في سياق الضغط على الهيئة. وأعرب رئيس الهيئة عن ارتياحه لما اعتبرها «إرادة وطنية ورأي عام وطني ضد الفساد، وهو ما ضغط على الحكومة لتبنّي محاربته». لكنه قال: «لن نتمكن من القضاء على الفساد نهائياً، بل هدفنا الحد من مستواه».