في خطوة غير مسبوقة أطلقت مكتبة الملك عبدالعزيز سلسلة عروضها السينمائية مساء أول من أمس (الأربعاء) بفيلم «شكوى» للمخرجة السعودية هناء العمير، وسط حضور نسائي لافت، اكتظت به قاعة العرض في فرع المكتبة على طريق خريص. ويعد فيلم «شكوى»، الذي تم تصويره قبل نحو عامين، ومن بطولة إبراهيم الحساوي، وزارا البلوشي، من الأفلام الدرامية القصيرة، التي تعتمد على مشاهد صامتة معبرة تلامس جوانب إنسانية بتفاصيلها الصغيرة. ويتناول «الفيلم»، الذي تم عرضه في مهرجان الأفلام الآسيوية والمغربية القصيرة، ونال جائزة النخلة الذهبية في أفلام السعودية، قصة فتاة (العنود) متذمرة تختزن في داخلها غضباً وأسى شديدين، ترجمت هذه الآلام بصورة شكوى ورقية من زميلتها في العمل بمستوصف صحي، في حين أن هذه الشكوى ليست إلا صراعاً داخلياً، وطاقة غضب تفجرت امتداداً لمعاناة مكبوتة بؤرتها محيطها الاجتماعي، ومحورها الأساس والدها العاجز، الذي لا يقوى على الاعتماد على نفسه إلا بمساعدة الآخرين، ويبدو أن معاناتها ارتبطت بذكريات قديمة منذ ابتعاد والدها عنهم فترة من الزمن وارتباطه بامرأة أخرى، ما شكل لها صدمة وحاجزاً نفسياً في تعاملها وسلوكها معه لاحقاً وللمحيطين من حولها، إلا أن الفيلم أظهر في نهايته كيف بدأ غضب العنود (زارا البلوشي) يتلاشى في لحظة اتصال المشاعر والحواس بينها ووالدها عندما أمسك بيدها بحنان، وبلمسة تفيض منها مشاعر الأبوة في لحظة إنسانية شعورية خاصة شكلت لها قُرباً عميقاً منه، أزاح معه ترسبات من معاناة كانت حبيسة في داخلها أعواماً عدة، واستبدلت بمشاعر الرضا والتسامح والسلام مع النفس ومع الآخرين، الأمر الذي دفعها أخيراً إلى تمزيق ورقة الشكوى ضد زميلتها في العمل في آخر الفيلم. بدورها عبرت كاتبة النص مخرجة الفيلم هناء العمير، التي لديها شغف في كتابة الأفلام عن سعادتها بتفاعل جمهور الحاضرات وشغفهن بمعرفة أدق التفاصيل، مؤكدة أن الفتاة السعودية واعية ومثقفة، مستبشرة خيراً بمستقبل السينما في السعودية وصناعة الأفلام. وقالت: «إن قصة الفيلم من واقع المجتمع السعودي ويلامس تحديداً النساء، واستوحيت فكرته أثناء مراجعتي أحد المراكز الصحية برفقة ابني الصغير، وعند وقوفي أمام موظفات الاستقبال، وفي لحظات من التساؤل! راودتني أفكار عما تخفيه نقاباتهن من أسرار عن حياتهن وظروفهن». وأشارت العمير إلى أن «شكوى» يعتبر ثاني تجربة لها في كتابة نصوص الأفلام، إذ عملت فيلماً وثائقياً كان عنوانه: «بعيداً عن الكلام»، لافتة إلى أن في جعبتها أعمال مقبلة، كما أنها تمارس كتابة السيناريو بوصفها محترفة، في حين يعتبر الإخراج بالنسبة لها هواية. وأضافت على رغم أن الفيلم استغرق في تصويره خمسة أيام، إلا أننا واجهنا عقبات أثناء عملية التصوير والمرحلة التي سبقتها أيضاً، كذلك عند اختيار الأماكن والتنسيق مع الجهات، وتم التغلب عليها والفضل يعود إلى تعاون فريق العمل وبذلهم الجهود ودعم بعضهم البعض، إذ إن منهم من كان يعمل من دون مقابل. وعن قصة الفيلم، قالت العمير ل«الحياة»: «إنها تتيح للمُشاهد أن يتخيل أبعاداً أخرى تفسر واقع شخصية العنود ومدى انعكاس ما بداخلها وتأثيره في شخصيتها الخارجية وفي من حولها وانعكاس ذلك على المجتمع»، لافتة إلى أن المَشاهد القصيرة والتفاصيل الصغيرة ما هي إلا مؤشرات تدفع المُشاهد إلى الغوص في أعماق الشخصيات. أما عن الرسالة، التي تود إيصالها عبر الفيلم، فأشارت إلى أنها تتبلور في أن الناس ليسوا كما يبدون من الظاهر، لافتة إلى أهمية تقبل الآخرين والتماس الأعذار لهم، مؤكدة أهمية التواصل الإنساني من طريق حاسة اللمس، إذ إن اللمسة الحانية لها مفعول السحر وتأثير كبير على الآخرين.