كان يقود سيارته عائداً الى منزله، فجأة أحس بألم يشبه حس الثقل في صدره لم يشعر به من قبل. ظن أن معاناته عرضية. فك ربطة العنق عل الألم يزول، ولكنه أبى أن يذهب. شعر بالغثيان، وبدأ تنفسه يضيق، وأحس بالصداع في رأسه، وأخذ العرق يتصبب من وجهه. أدرك أن حالته تسوء. أوقف السيارة على جانب الطريق ورفع هاتفه المحمول طالباً الطوارئ، وبكلمات متثاقلة طلب أن يسعفوه. بعد حين وصل المسعفون، ليجدوه في حال يرثى لها، بين نصف مستيقظ ونصف غائب عن الوعي. وعلى الفور قدموا له من يحتاجه من إسعافات أولية ونقلوه إلى أقرب مستشفى. حيث خضع إلى مجموعة من الفحوص والاختبارات ليتبين على إثرها وجود تضيقات متقدمة في شرايين القلب التاجية. وفي اليوم التالي زاره الطبيب المختص بأمراض القلب وأكد له أنه كان ضحية أزمة قلبية بسبب وجود شرايين تاجية متضيقة في القلب، وأنه في حاجة إلى وضع شبكات معدنية في الشرايين المتضيقة. فرفع المريض حاجبيه مستفسراً: وما هي هذه الشبكات؟ تجرى سنوياً أكثر من مليوني جراحة قلبية يستخدم فيها شبكات معدنية اسطوانية تشبه الأنابيب الصغيرة مصنوعة من أسلاك فولاذية غير قابلة للصدأ، ويتم وضع هذه الشبكات أثناء القسطرة القلبية بعد توسيع التضيق في الشريان بواسطة البالون الموجود في نهاية القسطرة. قبل حوالى خمسين سنة، كان يتم التغلب على مشكلة الشرايين المسدودة بزرع وصلات وعائية مصدرها أوردة الساق أو الشرايين الصدرية، يستعين بها الجراح لإقامة معبر يمر من خلاله الدم متجاوزاً المنطقة المتضيقة التي تبقى على حالها. وتعطي هذه العملية نتائج طيبة، ولكن من عيوبها أنها تحتاج إلى فتح الصدر وبقاء المصاب قرابة الأسبوع في المستشفى، فضلاً عن حدوث التضيق في الوحدات الوعائية المغروسة بنسبة تراوح من 10 إلى 20 في المئة خلال السنوات الخمس أو العشر من إجرائها، خصوصاً إذا عاد المريض إلى التدخين وإلى إهمال نصائح الطبيب. وأمام هذه العملية الجراحية الثقيلة نوعاً ما، تم وضع تقنية جديدة تقوم على توسيع الشريان المتضيق بواسطة القسطرة المزودة في نهايتها ببالون صغير خال من الهواء، وأول من قام بمثل هذه العملية الطبيب النمسوي غرونتزغ، ولاقت ترحيباً منقطع النظير من قبل المرضى والأوساط الطبية كونها تنجز عبر ادخال البالون بواسطة القسطرة من خلال أحد الأوعية الطرفية من دون الحاجة إلى شق الصدر. ولكن، بعد إنقضاء بضع سنوات على عمليات فتح الشرايين المتضيقة بالبالون اصطدم الأطباء بواقع جديد هو إمكانية عودة التضيق في المنطقة الشريانية التي جرى توسيعها عند حوالى الأربعين في المئة من المرضى، لذلك كان لا مفر من إيجاد شيء ما يحول، أو على الأقل، يقلل من عودة التضيق مرة ثانية. وبالفعل استطاع الباحثون ابتكار هذا الشيء وهو الشبكة المعدنية التي تثبت داخل مجرى الشريان لتكون بمثابة بطانة داخلية له، وهي تتكون من أسلاك معدنية رفيعة قابلة للتوسع لتعطي شكل أنبوبة عند نفخها بالبالون. وتبدأ رحلة وضع الشبكة المعدنية بإدخال قسطرة رفيعة عبر الشريان الفخذي لتصل إلى المنطقة المتضيقة المراد وضع الشبكة فيها من الشرايين التاجية القلبية. ويوجد في القسم النهائي من القسطرة بالون صغير خال من الهواء يُنفخ لتوسيع الشريان المتضيق، وعندما يتأكد الطبيب من سريان الدم بحرية من المكان المتضيق، يقوم الطبيب بإدخال الشبكة المعدنية المنكمشة على نفسها وبداخلها بالون صغير أيضاً، ومتى وصلت الشبكة إلى نقطة الهدف يتم نفخ البالون، فتنفتح الشبكة على شكل أنبوبة تعانق الجدران الداخلية للشريان المصاب وبالتالي تسمح للدم بالمرور بحرية. وتنمو خلايا البطانة الداخلية للوعاء للمريض داخل الشبكة ومن حولها بحيث تثبت في مكانها من دون حراك. غير أنه سرعان ما تبين أن مشكلة عودة التضيق لم يتم تجاوزها كلياً مع استعمال الشبكات المعدنية، إذ لوحظ أنه ما زال يحصل لدى حوالى 20 في المئة من المصابين. فما الحل؟ لم يدم الانتظار طويلاً، إذ سرعان ما ظهرت الشبكات المعدنية الذكية، أي المغلفة بالأدوية التي يتم تحريرها ببطء من هذه الشبكات للتخفيف من حدة التفاعل الالتهابي بين الشبكة وبطانة الشريان عقب عملية التوسيع، وهذا بالتالي ما يمنع تشكل أنسجة ندبية جديدة تساهم في عودة التضيق مجدداً، وقد دلت التحريات الميدانية ان الأشخاص الذين وضعوا تلك الشبكات المعدنية الذكية كانوا أقل تعرضاً لعودة التضيق مقارنة بمستعملي الشبكات المعدنية التقليدية. ويهدف وضع الشبكة المعدنية الى تحقيق الأمور الآتية: - فتح الوعاء المتضيق وتحسين عبور الدم من خلاله. - الإبقاء على الشريان المتضيق متوسعاً ومفتوحاً في شكل مستمر. - منع حدوث التضيق ثانية. لا شك في أن استخدام الشبكات المعدنية الإكليلية (نسبة الى شرايين القلب) يعتبر أهم حدث في معالجة التضيقات الشريانية القلبية المسببة للأزمات القلبية، من أجل فتح مجرى الدم وعودة الأخير للعبور بحرية بهدف إعادة التروية الى عضلة القلب التي تعمل بلا كلل ولا ملل، خصوصاً إن مثل هذه المعالجة لا تحتاج من المريض سوى البقاء في المستشفى ليوم واحد، ولا تتطلب فتح الصدر ولا تخديراً عاماً. ولكن مهلاً، يجب أن نعرف أن مثل هذه العملية لا يخلو من الخطورة خصوصاً أنه يتم إدخال قسطرة، وبالونات وشبكات في داخل الأوعية. بقي أن نعرج على بعض الملاحظات الأساسية: 1- إن العلاج الدوائي يظل الحل الأفضل في حال تصلب الشرايين البسيط والمتوسط، وفي مثل هذه الحالات لا لزوم لجراحة فتح الصدر ولا إلى الشبكات المعدنية. 2- لا يغني استعمال الشبكات المعدنية عن العلاج الدوائي فهو يبقى ركناً أساسياً في علاج تصلب الشرايين، وفي نجاح العمليات أياً كان نوعها، سواء قسطرة للتوسيع، أو قسطرة مع توسيع ووضع شبكات، أو جراحات فتح صدر. 3- قد يجد بعض المرضى نفسه في حيرة، فهناك أطباء يوصون بعملية فتح الصدر، وآخرون بوضع الشبكات المعدنية، وفريق ثالث يقول بأنهم لا يصلحون لا لهذه ولا لتلك، فنصيحتنا لهؤلاء استشارة أطباء آخرين إلى أن يهتدوا إلى الطبيب الماهر الذي يتمتع بالخبرة الحكيمة والنظرة السليمة. [email protected]