أكدت الشاعرة الكويتية سعدية مفرح أن ابتعادها غير مفتعل، «لكن هذا لا يعني أنه مفروض تماماً»، مشيرة إلى أنها تستطيع القول عنه «أنه اختيار من خيارات قليلة متاحة أمامي، ما تسميه بالحضور الجسدي غير مهم تماماً، فأنا حاضرة وبقوة في المشهد الثقافي الكويتي عبر النص وأنا أعتقد أن هذا يكفي. وبشكل شخصي أنا لا أحب التجمعات ولا الندوات ولا الاجتماعات ولا كل مناسبة اضطر فيها لمشاهدات جماعية. غرفتي هي جنتي غالباً... أمارس فيها حضوري بشكل مطلق»، لافتة إلى أن ذاكرتها متعبة ومرهقة ومزدحمة، «ويبدو أن مفاتيحها قد ضاعت مني منذ زمن بعيد دون أن انتبه إلا أخيراً. أصمت لأنني لا أجد ما يستحق الكلام حوله دائماً. لكنها ليست حالة عامة. أحياناً أنطلق في كلام مستمر حول أبسط الأشياء وأكثرها قدرة على استفزاز كلماتي، وأحياناً أصب بنوبة صمت طويلة. أحب حالات صمتي، أنكفئ نحوي مفتشة بين تضاريس الروح عما تاه في زحمة الكلام المتشابه. علمونا أن الكلام من فضة وأن السكوت من ذهب، وأنا لا يغريني الذهب ولا الفضة يغريني المعنى الكامن وراء الكلام أو وراء الصمت. دائماً هناك معنى مختف وملتبس وعلينا البحث عنه. أما بياض الورق فلعله الوحيد الذي أأتمنه على أسرار الذاكرة. ولعله لم يخذلني أو يخون الأمانة... حتى الآن على الأقل». وقالت صاحبة «تغيب فأسرج خيل ظنوني» إنها ليست من ضحايا الفتنة الافتراضيين، أياً كان نوع هذه الفتة، «لكنني من المعجبين أشد الإعجاب بفكرة الإنسان طبعاً. أنظر للكائن البشري كأهم مكونات الكون، وأراه خليفة الله على الأرض وتكمن وفقاً لهذه الصفة تحديداً الكثير من الأسرار غير المكتشفة والقادرة حال اكتشافها كما أرى على إعادة الخلق. البحر والصحراء كلاهما خاضع للإرادة البشرية مهما بلغ جبروتهما. هذا لا يعني أنني غير مهتمة بتلك الثنائية الساحرة من الرمل والمياه لكنها تظل ثنائية غبية وجامدة دون اكتمالها بالبشرى في كل حالاته وتكويناته وأفكاره وأحلامه وطموحاته وقدراته وحتى مجرد تنفسه». وتؤكد مفرح، في حوار نشرته مجلة دارين في عددها الجديد وأجراه معها الشاعر عبدالوهاب العريض، بإنتاج «نصي الشعري بعيداً عن أي تحضير مسبق، فلا أعرف مثلاً القالب الذي أصب فيه مادة الشعر الخام التي أنتجها ولا أحياناً أعرف تلك المادة إلا بعد أن تتشكل بصورتها النهائية وأنظر لها كما ينظر لها الآخرون»، مشيرة إلى أنها من أسرة بدوية، «ومعظم أفراد عائلتي ممن هم أكبر مني في السن، ولدوا فعلاً في خيمة أو في بيت شعر، وهذا يعني أن الخيمة كانت دائماً حاضرة في تراثي العائلي وكانت دائماً مكاناً للذكريات البعيدة التي كنت أسمعها كحكايات وقصص عائلية، وربما لهذا السبب لا أستغرب أنها أحد مفرداتي الحية في القصيدة. والخيمة هنا ليست مكاناً صحراوياً للسكن وحسب بل لعلها رمز نفسي ألجأ إليه وكأنني ألجأ إلى أعماقي. طبعاً أتوق دائماً للخروج من هذه الخيمة التي طالما مزقت جدرانها بأظفاري وأشعاري لكنني أعترف أنني أشعر بدفء العالم كله في أحضانها». وقالت إنها تعلمت منذ سنوات عدة أن تمثل أنها تعيش فرحاً ما، «فأكون فرحة فعلاً، كما تدربت على تجاهل ما يجلب الحزن، لأنني اكتشفت أنه مجرد طاقة سلبية تسلب من أرواحنا الكثير من ألقها وتراكم الفشل فوق الفشل، ما دامت الشماعة التي نعلق عليها هذا الفشل دائماً. أما إذا نجح البعض ومنهم أنت، في التقاط بعض الحزن الساكن في قصائدي، فهذا يعني إما أنني لم أنجح في الحيل التي أمارسها على صعيد استجلاب الفرح، وإما أن حزني فوق طاقة الروح... لكنني أجتهد غالباً ألا أجعله فوق طاقة القصيدة على الأقل. وعموماً للحزن أحياناً جمالياته، وربما أقول ذلك الآن دفعاً لتهمة الفشل في طرده عن أجوائي أو كحيلة جديدة من حيلي الكثيرة لمقارعته بأدوات الفرح». وأضافت سعدية مفرح أن تحب أن تكون صحافية ناجحة، كما ينظر إليها البعض، «لأنني أعشق مهنة الصحافة التي امتهنتها منذ أن كنت في ال17 من عمري تقريباً، ومارستها وأنا ما أزال على مقاعد الدراسة الجامعية، وكنت أتحيز لها دائماً حتى أنني أحياناً أقول إنني صحافية قبل أن أكون شاعرة بمعنى أنني عملت في الصحافة قبل أن أنشر كتابي الشعري الأول. والصحافة قدمت لي الكثير من الرعاية وفرص النشر والانتشار، لكن أبرزها ما قدمته لي الصحافة أنها ساهمت في تدريبي على قبول الرأي الآخر واحترامه مهما كان هذا الرأي قاسياً ومخالفاً لرأيي الخاص، وهذه الميزة اكتشف أهميتها عندما ينشر أحياناً مقال نقدي ضدي مثلاً، فأجد من حولي من أصدقاء وأهل متضايقين مما نشر، في حين أرى أن الأمر عادي جداً». من جهة توزّعت مواد العدد الجديد من مجلة دارين، الصادرة عن نادي أدبي الشرقية، بين عدد من المحاور النقدية، والفكرية والشعرية، إضافة إلى السرد والتشكيل والترجمة وكتابة الأسفار وذاكرة المكان. ففي الافتتاحية يكتب مدير تحريرها الشاعر محمد الدميني، حول الورشة الألمانية الخليجية، لاختبار الشعر. حيث قضى مجموعة من الشعراء الألمان، والخليجيين، أياماً في التواصل والحوار والاشتغال على النص. كما نقرأ «رسائلَ القاهرة القديمة» للدكتور مشاري النعيم، والتي يتأمل من خلالها المكان وهو يولد من جديد، وفي المقابل يكتب مطلق البلوي عن «تبوك... بلدة الأبواب المشرعة». ويتناول خالد الرفاعي من خلال النقد «القراءة الجديدة للأدب القديم». فيما يتحدث الدكتور محمد الصفراني حول «دلالة التفخيم في القصيدة الحديثة». ونقرأ للدكتور عبدالسلام المساوي «محمود درويش أول القتلى وآخر من يموت». كما نطالع للدكتور محمد حبيبي «الممارسة النقدية بوصفها غناء... قراءة في تجربة الدكتور أيمن بكر». ويكتب الدكتور محيي الدين محسب عن كتاب «الظل» للدكتورة فاطمة الوهيبي، كما يعرض ويحلل جبران يحيى كتاب «رعب السؤال»، لنخلة وهبة بدوره يكتب عبدالله السفر، حول التجربة الأولى للشاعر الشاب محمد الجنيد في إصداره «بحجة الكوميديا». ونطالع في العدد أيضاً حوارين إلى جانب حوار سعدية مفرح، مع الأكاديمي والناقد التونسي حمودي صمود أجراه الدكتور علي الشبعان والشاعر السعودي أحمد البوق أجراه عمر بوقاسم. ويتناول ملف التشكيل لهذا العدد والذي يعده يوسف شغري، تجربة التشكيلي عبدالله الشيخ، كما يقدّم راضي الطويل قراءة في لوحة «تراجيديا» لبيكاسو: سحابة حزن زرقاء... ومن الترجمات التي يوردها العدد: سيدة التوابل... مطر كحبات الرمان عن الروائية الهندية شيترا بانرجي ديفا كاروني نقرأ حواراً معها ومقطعاً من روايتها سيدة التوابل (إعداد وترجمة أمين صالح). ونقرأ درب الموتى للكاتب النيجيري شينوا اشيبي (ترجمة الدكتور فراس عالم). كما يترجم جهاد هديب قصائد من كرواتيا للشاعرة أدريانا شكونكا: «حنين أبديّ يتشظّى على الحواف». وكذلك نقرأ قصة «الشيء الذي يحيط بعنقك» للكاتبة الأفريقية الشابة تشيماماندا نغوزي أديتشي (ترجمة عبدالوهاب أبو زيد). ونقرأ محاضرة لميشيل فوكو عن الأمكنة الأخرى (ترجمة فهيمة جعفر). وفي الصفحات الأخيرة من العدد تقتطف المجلة جزءاً من إطلالة نقدية لطلال معلا على أعمال الفنان عبدالعزيز عاشور: وهج الذات للسيطرة على تداخلات العقل.