لا يمر أسبوع إلا ونسمع أو نقرأ بعض أهل الثقافة العربية أو محبّيها وهم يمعنون في مطالبتهم بأن تكون هناك في شكل أو آخر محطة تلفزيونية تختص بشؤون الثقافة وشجونها. إن المحطة التي يتخيلها هؤلاء ويطالبون بها سيكون من شأنها، في منظورهم، أن تقدم كل ما هو جديد في عالم الثقافة الحديثة وغير الحديثة، ناهيك بما يمكن الحصول عليه من أفلام وبرامج أدبية وفنية، إضافة الى برامج وشرائط وثائقية وملفّات خاصة في المناسبات التاريخية، واستعادة لحياة وأعمال كبار مبدعي التاريخ من دون نسيان تذكّر الأحداث السياسية والإضاءة عليها... واضح أن كثراً من الذين يطالبون بهكذا محطة يتوقعون سلفاً ألا يكون ثمة من يستجيب لهم ولا سيما من أصحاب القرار الذين يوصفون عادة بأنهم أبعد الناس عن الثقافة والاهتمام بهمومها... لكنّهم مع هذا يكتبون ويطالبون بحكم العادة وحب «النقّ»، أو لمجرد تسجيل موقف. أو، وهذا بيت القصيد هنا، لأنهم لم يكتشفوا بعد وجود محطة «أخبار المستقبل»! أجل «أخبار المستقبل» التي على رغم مرور سنوات على وجودها، لم تعرف بعد كيف «تقلّع»، وبالتحديد كيف تروّج في شكل ذكي لجزء كبير مما تقدمه. وهذا الجزء – إذا نسينا كون المحطة مرتبطة بحزب وسياسته وطائفته وعائلته – يمكنه أن يشكّل نواة حقيقية لمحطة تلفزيونية من مستوى شديد الرقيّ. فبالنسبة الى إنتاج المحطة نفسها يمكن المرء أن يجد في برامج مثل «مزاج» و«كلمات متقاطعة» و«أزرق اخضر» ولا سيما فقرات كثيرة ومميزة من «أخبار الصباح» و«بشغف» و«ذاكرة مكان» وغيرها ما من شأنه أن يستجيب حقاً لطموحات محب للثقافة. فإذا انتقلنا الى برامج الحكي رغم السياسة الغالبة عليها سنجد أبعاداً ثقافية - اجتماعية جيدة في برامج مثل «الاستحقاق» و«ترانزيت» وحتى في البرنامج الاقتصادي «كلام بالأرقام»... أما إذا انتقلنا الى البرامج المستوردة فسنجد تحفاً حقيقية مثل «الشيك» الآتي مباشرة من «آرتي» الفرنسية - الألمانية الى جانب مختارات جيدة من إنتاجات «بي بي سي» بين برامج أخرى. وما هذا سوى غيض من فيض هذه المحطة... غير أن المشكلة تكمن في أن المحطة نفسها تبدو غير مدركة كما يبدو هذا الجانب الخلاّق فيها فتصرّ على طابعها السياسي المحلي و«العائلي» الذي يحول بينها وبين أن تتطور بعض الشيء لتقترب من دون أن يكلفها هذا كثيراً مما يتطلّع إليه محبو الثقافة العرب. فتضيف مثلاً الى الجيّد الذي تقدمه برامج سينمائية مميزة وأعمالاً موسيقية –يمكن استعارتها من محطة «ميتزو» الفرنسية- وبرامج جغرافية وملفات إبداعية وغير ذلك من أفلام رائعة تنتمي الى سينمات غير تلك التي تزحم الأسواق. في يقيننا انها إن فعلت ستعود على المشاهدين الساعين الى الرقيّ بفوائد جمة من ناحية كما انها ستكون قد خدمت أصحابها ألف مرة أكثر مما تخدمهم اليوم!