استدرجت المواقف العنيفة التي اطلقها المدير العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء الركن المتقاعد جميل السيد في مؤتمره الصحافي اول من أمس، ردود فعل عدة، لا سيما من اعضاء في كتلة «المستقبل» النيابية وتكتل «لبنان اولاً»، الى جانب مواقف من سياسيين وروحيين طالبت بالحفاظ على مناخ التهدئة. وكان المكتب الاعلامي للسيد رد على ما وصفه ب «المزاعم الكاذبة» لعضو كتلة «المستقبل» عقاب صقر عن وجود سمسار بينه وبين رئيس الحكومة سعد الحريري، مستغرباً «عدم ذكر اسم هذا السمسار حتى الآن»، وواعداً صقر ب «عمولة كبيرة اذا قام بهذا الدور الذي يتقنه جيداً». وكان صقر رد على السيد بعد ساعات على مؤتمره الصحافي بإتهامه بأنه «اعتاد سلب حقوق الناس وفتح صندوق الدعارة الاسود وهو ركن الفساد الاساسي»، وكشف ان السيد «عرض عبر وسيط موثوق به على الحريري اسقاط الدعوة التي رفعها وفتح صفحة جديدة مقابل 15 مليون دولار ولما رفض الحريري ذلك جدد عرضه مقابل مبلغ 7،5 مليون دولار فاجابه الحريري اننا نرفض المبدأ وليس المبادرة ولا نخضع للابتزاز الرخيص». وأعلن عضو كتلة «المستقبل» زياد القادري ان «بعضهم يريد إجهاض المفاعيل الإيجابية لكلام رئيس الحكومة الأخير، وكسر المفاعيل الإيجابية للقمة الثلاثية العربية في لبنان التي خلقت مظلة أمان على البلد من اجل حفظ أمنه واستقراره، وهناك من يريد أخذ البلد إلى مكان غير الذي نريده جميعاً، وهذا البعض يعتقد أن في إمكانه وضع دفتر شروط جديد». وأكد عضو الكتلة نفسها جمال الجراح أن «اللبنانيين باتوا يعرفون جميل السيد «وبهوراته» الاعلامية وأكاذيبه ومحاولة تشويه الوقائع»، معتبراً ان «السيد يريد تحويل الأكاذيب التي يقولها الى حقائق في ذهن الناس، لكن المتابع لديه الوعي الكافي ليتمكن من التمييز بين الوقائع وبين التلفيقات». وقال عضو تكتل «لبنان اولاً» محمد كبارة: «أتحفنا جميل السيد بتهديداته التي لا تنطق عن هواه، وكنا نفترض أن النيابة العامة ستتحرك مباشرة بعد مؤتمره الصحافي الذي أخرج فيه ما في صدره من حقد أعمى لطالما استثمره من مواقعه الأمنية التي عرف كيف يتسلق أبوابها بعد أن زحف عند أقدام أسياده وقدم لهم الخدمات التي تؤهله ليكون في خدمة من أوصله إلى مراتب عليا في الأمن والاستخبارات على حساب الوطن ونظامه ومؤسساته وديموقراطيته». وقال: «تجاوز هذا المخبر كل المنطق الذي يفترض أنه ما زال وضعه القانوني قيد البحث، وانتقل إلى موقع توزيع شهادات الوطنية والخيانة، في حين أنه يحتاج إلى براءة ذمة في الحرص على المصلحة الوطنية، وهو أول شهود الزور على كل الجرائم التي ارتكبت بحق لبنان، هذا إذا لم يكن شريكاً في بعضها مباشرة». ورأى عضو التكتل المذكور محمد الحجار أن «توقيت مؤتمر اللواء المتقاعد كان لافتاً»، وسأل: «ما إذا أراد من خلال مؤتمره أن يعلن أنه مدعوم في ما قاله على خلفية اللقاءات التي عقدها وكان آخرها مع الرئيس السوري بشار الأسد». وإذ أبدى شكه في «دعم سورية للسيد في هذا الإطار»، لفت الى «أهمية الاستقرار السياسي في لبنان من قبل سورية والسعودية، ما يجعل الأمر يتعارض مع ما يوحيه جميل السيد». وأكد «ان الخلفية التي تحكم الجميع هي المحكمة الدولية، وهي باقية الى حين تنفيذ الأهداف التي أنشئت من اجلها وهي جلاء الحقيقة ولا شيء سيؤجلها». وقال عضو التكتل أمين وهبي: «انتفض السيد انطلاقاً من تقديم نفسه للناس بأنه اعتدي على حريته خلال فترة توقيفه، والسؤال الذي يطرح نفسه هل حرية الناس الآخرين هي أيضاً عزيزة عليه؟ وهل سأل نفسه عندما كان في السلطة بأي حق اعتدى على حرية الآخرين فاعتقل الناس وأوقفهم ولاحقهم كما فعل مع الشهيد سمير قصير؟ هل يحق له ما لا يحق لغيره؟». «التحرير والتنمية» وحرص عضو كتلة «التحرير والتنمية» النيابية (التي يرأسها الرئيس نبيه بري) علي حسن خليل على الاشادة ب «المواقف الشجاعة التي تحلى بها رئيس الحكومة سعد الحريري»، معتبراً أنه «يعبر في مراجعته للتجربة السياسية الماضية عن ضرورة إعادة وتطوير العلاقات اللبنانية - السورية لما فيه مصلحة البلدين». وقال: «إننا ننظر بارتياح الى الملف الشائك المتعلق بقضية ومسار الحقيقة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من خلال التركيز على مسألة وقضية شهود الزور التي تمثل فاتحة وتصحيحاً للمسار الذي سينعكس على العلاقات الداخلية وعلى الحقيقة وضرورة كشفها». وعبر عن قلقه مما يجري في لبنان ل «بعض الخطاب السياسي الذي يعبّر عن ازمة في مقاربة القضايا الوطنية في قراءة صورة الوطن ودوره وموقعه». ورأى عضو الكتلة نفسها هاني قبيسي «أن مناخات التشنج والانقسام وتمسك البعض بمنطق الاختلاف واللاحوار لا تؤمن الطمأنينة والاستقرار ولا تبني دولة المؤسسات، والاستمرار بمنطق الخلاف وتقديمه على منطق الحوار يشكل إضعافاً وتقويضاً لكل مساعي التهدئة». وأشاد عضو «اللقاء النيابي الديموقراطي» نعمة طعمه بمبادرة رئيس الحكومة «التي اتسمت بالشجاعة والوطنية، ومن شأنها أن تشكل عامل أمان واطمئنان للبنان ولعلاقاته مع دمشق ولتحصين الساحة اللبنانية في مواجهة الأخطار المحدقة به». وقال: «لا مناص إلا من خلال السير بمفاعيل قمة بيروت الثلاثية، خصوصاً في خضم ما نشهده اليوم من تصعيد سياسي بالغ الخطورة»، لافتاً الى أن «المظلة السعودية - السورية تقي لبنان الأخطار وترسخ الاستقرار، وهذا ما تلمسناه عبر احتضان المملكة العربية السعودية للبنان في كل المحطات والمفاصل، وتالياً توجهات الملك عبدالله بن عبدالعزيز والقيادة السعودية الحكيمة، للوقوف الى جانب لبنان ودعم استقراره وازدهاره واستمرار التواصل اللبناني - السوري وإقامة أفضل العلاقات بين البلدين». وأشار الى «أن دور رئيس اللقاء وليد جنبلاط يصب في خانة تمتين الجبهة الداخلية عبر اتصالاته ومشاوراته مع الأطراف المعنيين لدرء الأخطار ولجم التصعيد والشروع في حوار هادئ». «الجماعة الاسلامية» وأعلن عضو تكتل «لبنان أولاً» عماد الحوت (نائب عن الجماعة الاسلامية) «ان مؤتمر السيد يأتي في سياق الضغوط المتلاحقة للوصول إلى محاولة إلغاء المحكمة الدولية»، مشدداً على «أنها محاولة عقيمة وفاشلة لأن هذا الموضوع خرج من اليد اللبنانية». واعتبر في حديث إذاعي أن «كلام السيد وجهة نظر ضيقة منطلقة من مصالح شخصية محض، وقد يكون له انعكاس سلبي على مناخ التهدئة»، واعتبر أن سورية حريصة على مواصلة العلاقة الطيبة مع لبنان من خلال المؤسسات والرئيس سعد الحريري. ورأى النائب السابق غطاس خوري أن «المطالبة بالحقوق أمر مشروع ولكن عندما تتجاوز الأصول وتذهب في اتجاه تهديد أمن الدولة، فهذا غير مقبول»، معتبراً أن «الهجوم على رئيس الحكومة والإصرار على نسيان المحكمة محاولة لافتعال أزمة حقيقية في البلد، وكلام اللواء السيد يقوّض أسس الدولة من القضاء الى السلطتين العسكرية والأمنية». وحذّر في حديث الى «المؤسسة اللبنانية للإرسال» من أن «الانقلاب على اتفاق الدوحة يدخل البلد في المجهول». وأكّد أن «لا أحد يمكنه إلغاء المحكمة الدولية إلا بقرار من مجلس الأمن». ودعا نائب رئيس «تيار المستقبل» انطوان اندراوس «الى عدم اعطاء اهمية كبرى للكلام الحاد الذي قاله اللواء السيد في انتظار استكشاف الامور، خصوصاً ان هذا المؤتمر اتى في ظلّ تهدئة سياسية في البلاد، وهو ما يطرح علامة استفهام كبيرة عن توقيته ومغزاه». وانتقد عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» مصطفى علوش «استهوان السماح لكل رعاع الأرض بالهجوم على الدولة ورموزها على مدى السنوات والأشهر الماضية، ما دفع «الهواة» الى القيام بهذا الفعل، لإعتقادهم أن لا ردّ سيستتبع هذا التصرف». وأضاف في حديث الى وكالة «أخبار اليوم»: «كل الكلام الذي قيل بالأمس على لسان اللواء السيد يجب أن يكون في عهدة القضاء أولاً بخصوص التهجمات الخارجة عن الآداب التي استعملها، وثانياً في ما يتعلق بالتهديد المباشر الذي وجهه الى رئيس الحكومة». وحض نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان على «التخاطب بهدوء وعقلانية بعيداً من الشطط فلا يأخذهم الغرور والكبرياء، وعليهم أن يتعاملوا مع بعضهم بعضاً بالحسنى ويبتعدوا عن التشويش، ولا سيما أن لبنان قادم على الخير، وعلى اللبنانيين أن يحصّنوا وطنهم بلباس التقوى ويزينوه بالورع عن المحارم، فالمطلوب من السياسيين أن يلزموا العقلانية والهدوء في خطاباتهم ليكون لبنان مستقراً». وقال مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو: «الحكمة تقول: اذا لم تستح فاصنع ما شئت وقل ما شئت وتبجح كما شئت، وتطاول كما شئت وجيّش من شئت للسب والشتم والغمز واللمز واتهام الآخرين من دون دليل». واعتبر ان «الذي ينفذ الاوامر الخارجية، ويتحرك بوحي من «أسياده» وأولياء نعمته ليس من حقه ان يتطاول على الشرفاء الذين صنعوا لبنان الجديد». مصدر امني يرد وردّ مصدر أمني رفيع عبر موقع «القوات اللبنانية» على ما تضمنه المؤتمر الصحافي للسيّد قائلاً: «عصر الفوهرر جميل السيد انتهى منذ زمن، وما يعيشه السيّد اليوم هو حالة مرضية تعرف ب «الطاووسية» لأنه لربما لا يزال يعتبر نفسه المرشد الأمني للجمهورية اللبنانية كما كان في السابق». واتهم المصدر السيد بأنه «افشل الضباط والدليل انه كان مخترقاً من جانب العدو الإسرائيلي طوال فترة وجوده في مسؤوليته في الأمن العام من قبل العميل أديب العلم الذي كان ينقل للإسرائيليين كل ما يحدث في المديرية، في حين كان همّ السيّد ينصبّ على ابتزاز الناس وملاحقة أصحاب الرأي الحر». ولفت الى أن «المراجع الأمنية لا تزال تعمل على كل الجرائم التي حصلت في فترة تولي السيّد مسؤولياته، ومن ضمنها جريمة خطف رمزي عيراني وقتله، ونعمل على الوصول الى النتائج».