لم يحظ فيلسوف في القرن ال20 بجدل كبير كما حدث للفيلسوف نيتشه، الذي يحلو للبعض أن يراه المصدر الأكبر الذي انبثقت منه المذاهب الفلسفية اللاحقة، كالوجودية. احتفى نيتشه بالفلسفة الشرقية، ولكن بهدف تقويض الفلسفة الإغريقية، إذ يرى أن الفلسفة منذ سقراط وصلت إلى الانحطاط حينما فصلت بين اللذة والجسد والعقل، بمعنى: حينما جعلت منطقة فاصلة بين العقل والشهوة وأن العقل هو أسمى الأشياء، ولم يعد يحتفى بالجمال والشهوة. يعود نيتشه إلى الفلسفة الإغريقية لكي يقوض أسها السقراطي، الذي يرى أن الحياة عبارة عن مرض عضال، والذي مثله أفلاطون من بعده، بعدما تغلغلت فلسفته في اليهودية والمسيحية. ويعود إلى هيراقليطس مستقياً منه فكرة العود الأبدي والصيرورة، التاريخ لديه على عكس الرؤية الهيجلية؛ وجه مظلم ومأسوي. ومن خلال منهاجه الجينيالوجي الذي اقتبسه من داروين، الذي يعنى بالأعراق، إلى جينيالوجيا الأخلاق، بمعنى علم أنساب الأخلاق، ليعري القيم التي قام عليها التنوير الأوربي. أما فلسفة القوة لديه فلا يمكن أن نعزلها عن صعود الإمبراطورية الألمانية، ممثلة ببسمارك، هو تأثر بهذه القوة وهذا الحضور السياسي، لذلك استغل هتلر فلسفته وحاول أن ينسب النازية إلى أبوية نيتشه، لكن نيتشه توفي قبل صعود الرايخ، في حين كانت أخت نيتشه، التي ظلت ترعاه حتى آخر حياته، نازية، وقد أهدت هتلر عصا نيتشه التي كان يتجول بها في الجبال ويدون تأملاته الفلسفية. تم تجيير فلسفة نيتشه لمصلحة النازية، لكن المحاولة فشلت بالطبع. يقول الفيلسوف جيل دولوز عن نيتشه: «يبدأ كتاب زرادشت الأول بسرد تحولات ثلاثة؛ «كيف يصبح الروح جملاً، وكيف يصير الجمل أسداً، وأخيراً كيف يصبح الأسد طفلاً». الجمل هو الحيوان الذي يحمل عبء القيم السائدة؛ أثقال التربية والأخلاق والثقافة. يحملها في الصحراء، ويتحول هناك إلى أسد؛ يحطم الأسد التماثيل ويدوس الأثقال، يتولى نقد كل القيم السائدة، أخيراً أن يصبح طفلاً، أي باللعب وبداية جديدة، خالقاً قيماً جديدة وبداية جديدة. يرى نيتشه أن هذه التحولات الثلاثة تعني بين ما تعني لحظات من نتاجه، ومراحل أيضاً من حياته وصحته، لا ريب أن الانقطاعات نسبية تماماً: الأسد حاضر في الجمل، والطفل موجود في الأسد، وفي الطفل النهاية المأسوية». يقول نيتشه يوجد في العالم أصنام أكثر مما يوجد من الحقائق. * كاتب سعودي.