وضع لبنان الحجر الأساس لتدشين استغلال ثروة النفط والغاز المحتمل وجودها في قاع المياه اللبنانية الإقليمية الممتدة على مساحة 22 ألف كيلومتر مربع، بإقراره هذه السنة، قانون الموارد البترولية في المياه البحرية الرقم 132، ونشره في الجريدة الرسمية. وتنطلق الخطوة التنفيذية الأولى في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، إذ أعلن وزير الطاقة والمياه اللبناني جبران باسيل في حديث إلى «الحياة»، عن وضع «خطة برنامج لإطلاق ورشة العمل التنظيمي ولاستصدار المراسيم، تبدأ في تشرين الثاني، بعقد مؤتمر لإطلاق هذا العمل، تشارك فيه الدول والشركات العالمية الراغبة في المساهمة في المشروع والمؤسسات اللبنانية المعنية». ولفت إلى أن الوزارة «تتلقى طلبات من شركات عالمية كثيرة مهتمة بالمشاركة في الاستثمار، نستقبل ممثلين لها، وتبحث في إجراءات فتح مكاتب تمثيل لها في لبنان». وتحدث باسيل عن خطة الوزارة التي تهدف إلى «إعادة تشغيل المصافي وتسيير خطي النفط الخام، والعمل على أن يستعيد لبنان دوره كمركز تخزين لمشتقات النفط في المنطقة، وتُطلق قريباً الخطوة الأولى في هذا المشروع»، لافتاً إلى أن «شركات عالمية تتقدم بطلبات للمساهمة في هذا المجال، ولا نزال مقصّرين في التجاوب وبدء التنفيذ». وشرح باسيل بعض مفاصل القانون وآلياته التنفيذية ومراحل العمل، فأوضح أن نصّ القانون «تفصيلي في شكل يساهم بتقليص اللجوء إلى المراسيم التطبيقية، لكن ذلك لا يمنع الحاجة إلى عمل متواصل يستغرق عاماً لإنجاز المراسيم والاتفاقات المتعلقة به. وتتطلّب مراحل التنفيذ مراسيم تضع الشروط العامة، بمعنى أننا نحتاج إلى مرسوم لوضع نموذج عقد للتفاوض على أساسه مع الشركات وبالتالي لكل عقد نوقعه». وعن توزّع الصلاحيات التي ينصّ عليها القانون، أكد باسيل أن «القرار النهائي في أي مسألة تنفيذية يعود إلى مجلس الوزراء مجتمعاً وليس محصوراً بشخص وزير أو مؤسسة أو هيئة، نظراً إلى ضخامة المردود المالي المتوقع». ولفت إلى أن «مسؤولية الوزير المختص تتمثل في تنفيذ السياسة البترولية العامة التي يضعها مجلس الوزراء، وتطبيق القانون والمراقبة والإشراف، ويكون سلطة الوصاية على «هيئة إدارة قطاع البترول» المنصوص على إنشائها في القانون، ومن مهماتها إعداد العمل التقني من كل جوانبه مع تمتعها بحرية العمل. وترفع «الهيئة» دراساتها إلى وزير الطاقة الذي يملك المصادقة على أعمالها، لكن القرار النهائي في كل ذلك يعود إلى مجلس الوزراء». واعتبر أن هذه الصيغة «تمنح الطمأنينة للمستثمرين والشركات الكبيرة إلى أن توظيفاتهم مضمونة ومحمية». وينصّ القانون على تأسيس صندوق سيادي تُودع فيه عائدات تنتجها عمليات التشغيل، استغرق النقاش حول صيغته ورئاسته وقتاً طويلاً. ورأى باسيل أن «المهم هو التوافق على تثبيت تأسيسه ليكون حافظاً لأموال النفط وليس الخزينة، ويحتاج إنشاؤه إلى قانون خاص، ويتكوّن رأس ماله من حصة الدولة من المبيعات التي تحققها الشركة، وتُستعمل أمواله لتنفيذ استثمارات للأجيال المقبلة، تُخصص عائداتها لإطفاء الدين العام أو لتمويل الإنفاق الاستثماري». أما إدارة الصندوق والجهة التي ترأسه «فيقررهما القانون الخاص بتأسيسه. واقترحنا أن يشرف عليه مجلس أعلى برئاسة رئيس الجمهورية، يضم في مقدم عضويته رئيس الحكومة ووزراء الاقتصاد والتجارة والمال والطاقة، وأن تكون له أمانة عامة تتواصل مع مجلس الوزراء ترفع الاقتراحات إليه ليتخذ القرارات الأساسية. وبهذه الصيغة نكرّس سيادية الصندوق ورمزيته المهمة ومناعته». وحول التأكد من وجود ثروة نفطية، قال باسيل «استندنا إلى دراسات متقدمة، أظهرت احتمالات وجودها، كما اعتمدنا على إقبال الشركات المهتمة بالاستثمار على شراء هذه الدراسات». وأعلن عن «تلقي عروض من شركات عالمية متخصصة بالتنقيب والاستخراج، واستقبال ممثلين عنها يبدون رغبة في عقد اتفاقات ومذكرات تفاهم، والبدء بفتح مكاتب تمثيل لها في لبنان». ولفت إلى مؤشر آخر «ارتكزنا إليه يتمثل في دراسات أعدتها دول مجاورة تملك طبيعة لبنان ذاتها، بيّنت وجود الغاز». ورأى باسيل أن «الأمر الأهم هو وجود الغاز على مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة بكاملها، أي على مساحة البحر اللبناني البالغة 22 ألف كيلومتر مربع، ليس فقط في الجنوب بل تجاه بيروت وقبرص وسورية». وأكد أن «الاحتمالات مرتفعة جداً، ويُفترض بلبنان بدء العمل في غير مكان، لتوسيع الاحتمالات التي نملكها». وأوضح أن «الحديث الذي تركّز على الحقول المحتملة على الجهة الجنوبية والمتاخمة للحدود مع إسرائيل، يعود إلى طبيعة إسرائيل العدائية ضد لبنان والاعتداء على ثرواته وأرضه»، مشدداً على أن «الدفاع عن هذه الثروة لا يختلف عن الدفاع عن أرضنا ومياهنا». واعتبر أن إسرائيل «لن تتجرّأ على مسّ ثروتنا النفطية، لأن ذلك يهدد مصالحها، وتكون الشركات الدولية هي المتضررة في الدرجة الأولى». وعن التعامل مع هذه الثروة جنوباً في ظل المقاطعة مع إسرائيل، أوضح «إما يكون العمل عبر الأممالمتحدة، أو لا ينقّب لبنان وإسرائيل في المناطق المتاخمة التي تحتمل وجود حقول مشتركة». وأعلن أن «قانون البحار وتحديد الحدود واضح جداً، حتى أن إسرائيل تعتمد حدوداً في خرائطها قريبة جداً من المعتمدة لدينا، وأبلغنا الأممالمتحدة في شكل رسمي وعلى إسرائيل التقيد بذلك». وعن الإجراءات المتخذة لحفظ حقوق لبنان في المواقع الأخرى شمالاً وعلى الحدود مع قبرص، أشار باسيل إلى «وجود اتفاق بين لبنان وقبرص اليونانية وافقت عليه الحكومة يقضي بأن يحصل لبنان على حصته من الكميات المستخرجة من الحقول في الحدود المشتركة، وهو ينتظر إحالته على المجلس النيابي لإقراره». ودعا إلى الإسراع في الأمر «حتى لا تكون الحكومة مقصّرة في الحفاظ على ثروة لبنان وحقوقه». لافتاً إلى أن الجانب القبرصي «مستعجل لبدء التنقيب وأي تأخير في إقرار الاتفاق في المجلس النيابي يدفع قبرص على الابتعاد من منطقتنا كما يتردد إلينا، ونخسر تالياً فرصة كبيرة». واعتبر أن «التذرّع بأي أمر سياسي مع تركيا غير قائم لأن الحدود لا تصل إلى قبرص التركية، ولا توجد بالتالي مشكلة، أضف أن لبنان يعترف بوجود دولة قبرص وتربطنا علاقات دبلوماسية وزيارات متبادلة واتفاقات عدة». وأكد باسيل وجود «رغبة لبنانية وسورية في ترسيم الحدود بين بلدين جارين متفقين على هذا الموضوع». وقال: «طلبت من مجلس الوزراء تأليف لجنة خاصة، لأن الأمر لا يقتصر فقط على وزارة الطاقة بل يتصل أيضاً بوزارتي الخارجية والنقل». وعن الكميات المقدّرة، تحفّظ وزير الطاقة اللبناني عن الإفصاح عنها إذ «لا تزال مجرد تقديرات، كما اتضح أن النسب التي تروّج لها إسرائيل في حملة إعلانات واسعة متدنية». وفضّل عدم ذكر حجم العائدات «لأن من المبكر إعلانه وتحديده بدقة». وعن صيغة التلزيم والتشغيل، أوضح باسيل أنها «اتفاق على تقاسم الإنتاج، فتتفق الشركة الملتزمة مع الحكومة على توزيع الحصص بعد حسم تكاليف استخراجه، فتحصل الدولة على حصة من دون أي تكاليف تتحملها». وإذا كانت الوزارة تتجه إلى إعادة تشغيل المصافي، دعا باسيل «الشركات الراغبة في استثمار هذه المصافي إلى التقدم بعروض»، ولم يغفل جاهزية الوزارة، كاشفاً عن «مفاوضات مع شركات ودول تتعلق بإعادة تشغيل خطوط أنابيب النفط والمنشآت، كما تعمل على أن يستعيد لبنان دوره كمركز لتخزين النفط في شرق المتوسط، لأن موقعه الجغرافي يؤهّله لذلك، وسنعلن عن دراسات لزيادة القدرة التخزينية للنفط في لبنان».