لا تطل العاصمة السعودية الرياض على بحر، فهي مدينة صحراوية وسط البلاد، إلا أن لأهلها «كورنيشاً»، يرتادونه كلما أرادوا البحث عن لحظات يعيشونها خارج أكوام الأسمنت والفلل والأبراج، أنه وادي حنيفة. وعرف الوادي منذ القدم بقيام عدد من الحضارات على جانبيه، حتى اصبح شهيراً على نطاق شبه الجزيرة العربية على مدى التاريخ، واستوطنت عليه منذ القدم قبائل متحضره عملت بالزراعة والتجارة وبعض الحرف اليدوية. ويعد الوادي أهم معلم طبيعي والأكبر من نوعه في المنطقة، وأحد أطول مناطق التنزه المفتوحة في العاصمة الرياض، ويمتد الوادي مسافة 120 كيلومتراً في نجد من الشمال الغربي إلى الجنوب مائلاً قليلاً إلى الشرق أي وسط المملكة في منطقة الرياض حاليا. ويقع على أرض بطول 80 كيلومتراً ابتداء من شمال طريق الأمير سلمان حتى الحاير جنوباً، ويراوح عمق مجراه بين 10 أمتار و100 متر، فيما يتراوح عرضه بين 100 متر وحوالى 1000 متر في أقصى اتساع. وقيل أنه كان يطلق عليه قديماً «العرض» بكسر العين، وسمي ب«وادي حنيفة» نسبة إلى قبيلة بنو حنيفة التي كانت تسكن المنطقة. ويمثل الوادي مصرفاً طبيعياً لمياه السيول والأمطار لمساحة تقدر بأربعة آلاف كيلومتر مربع من المناطق المحيطة به، وتصب فيه روافد طبيعية من الأودية والشعاب تزيد على 40 وادياً أشهرها من جهة الغرب الأبيطح، والعمارية، وصفار، والمهدية، وبير، ولبن، ونمار، والأوسط، ولحا، ومن الشرق الأيسن والبطحاء. فيما تبلغ كمية المياه التي تصب فيه يوميا حوالى 700 ألف متر مكعب من المياه. وينقسم الوادي إلى خمسة أقسام ابتداءً من مجراه تضم بطن الوادي والسهل الفيضي والمصاطب الرسوبية الأفقية أو المستوية الأسطح والجروف والأودية والشعاب، ويزدهر على ضفاف وادي حنيفة التجمعات السكانية من البلدات والقرى، إذ يعملون بالأنشطة الزراعية ومنها المشاتل وبساتين النخيل والحبوب والخضروات والفواكه، إضافة إلى ما يحويه الوادي من المنشآت الأثرية والآبار والسدود. واكتشف الباحث السعودي في الآثار محمد سعود الحمود، في العام 2000، سداً أثرياً يقع على وادي حنيفة، يرجح أن يكون بُني في الفترة الاسلامية المبكرة، فيما أبلغ الحمود أن السد المكتشف يقع في الجهة الجنوبية من حي الشفا جنوبالرياض، وبالتحديد في إحدى الشعاب التي تصب في الوادي، وغطي السد بالاشجار والحشائش. وقال «إن السد بني بتصميم انشائي جيد يبرهن على الخبرة والاتفاق في تنفيذ مثل هذه الأعمال، ويبلغ طول الجزء المتبقي منه 60 متراً وبعرض 5 أمتار وبني من الحجارة المهذبة، وقناة مكشوفة ومحفورة في الصخر وتقع في الطرف الشمالي من السد»، مشيراً إلى أن الغرض منها تنظيم مياه السيول الفائضة عن حاجة السد عبر قناة حفرت بعمق 1.30 متر وبعرض 1.20 متر مع ملاحظة أن القناة شديدة الانحناء تتسع بعرض، لتخفيف تدفق مياه السيول». وكان الوادي محافظاً على توازنه البيئي بين قدراته الطبيعية والانشطة البشرية حتى مطلع خمسينات القرن الماضي، إلا أنه شهد تدهوراً ومعاناة على مدار السنين، بسبب التطور العمراني الذي شهدته الرياض، ومن خلال أعمال جرف التربة وانتشار الانشطة الصناعية، أصبحت اجزاء كبيرة من الوادي مكباً للنفايات ومخلفات البناء. ونظراً إلى أهميته الكبيرة واستعداده لجذب الاستثمارات المتنوعة، ومساحته المترامية من شمال الرياض إلى جنوبها، الى جانب إمكاناته الطبيعية، بادرت «الهيئة العليا لتطوير الرياض» لتأهيل وتطوير الوادي وجعلته ضمن أولوياتها، ليكون «رئة الرياض» ومتنفساً طبيعياً لقاطنيها. يذكر أن عدداً من رواد وادي حنيفة أكدوا أهميته لكونه «متنفساً» لقاطني العاصمة السعودية، حتى أصبح يوصف أحيانا ب«كورنيش الرياض»، مشيرين إلى أن الرياض بحاجة الى مثل هذه المرافق للترفيه عن قاطنيها، وتطلعوا إلى مشاريع ترفيهية وسياحية أخرى تلبي احتياجاتهم وتواكب الحياة العصرية، لتوازي ما تشهده المملكة من مشاريع ضخمة.