المواجهة المستمرة بين أنصار بناء مركز إسلامي قرب موقع إرهاب 11/9/2001 ومعارضي البناء أعادت تركيز الأضواء على دين باراك أوباما، ففي استفتاء نشرته جريدة «يو إس اي توداي» في نيسان (ابريل) 2008 قال عشرة في المئة من الأميركيين إنه مسلم، مقابل 53 في المئة قالوا إنه مسيحي. إلا أن استفتاء على خلفية الجدل في شأن المركز الإسلامي نظمته مؤسسة بيو أظهر أن 18 في المئة من الأميركيين يعتقدون الآن أنه مسلم مقابل 34 في المئة يقولون إنه مسيحي، كما أظهر استفتاء أخير لمجلة «تايم» ان 24 في المئة من الأميركيين يعتقدون أنه مسلم. خلال حملة انتخابات الرئاسة اتهم أوباما بأنه مسلم «سري»، بل بأنه لم يولد في الولاياتالمتحدة، واستمرت الحملة بعد فوزه بالرئاسة، وأصبحت هناك جماعات تحمل اسم شهادة ميلاده وترفض أن تصدق إنه ولد في هاواي لأب مسلم أسود وأم أميركية غير متدينة، ثم رعاه زوج أم مسلم أيضاً. معسكر أوباما رد على الشائعات في شكل قاطع وأصدر بياناً قال «باراك أوباما ليس مسلماً ولم يكن مسلماً إطلاقاً. أوباما لم يصلِّ أبداً في مسجد. لم يكن مسلماً، ولم ينشأ مسلماً، فهو مسيحي ملتزم يصلي في كنيسة المسيح المتحدة (في شيكاغو)». الجدل استمر وأوباما لم يساعد قضيته كثيراً، فهو في مقابلة مع «نيويورك تايمز» في شباط (فبراير) 2008 قال إن «صوت الأذان من أجمل الأصوات على الأرض ساعة المغيب» وردده بالعربية لمراسل الجريدة. وهو قال بعد ذلك لمجلة «بيبول» إنه وزوجته لا يهديان ابنتيهما هدايا في عيد الميلاد. وهو عندما جاءت مناسبة «يوم الصلاة الوطني» في ولايته للمرة الأولى في 7/5/2009 خرج على التقاليد ولم ينظم احتفال صلاة في البيت الأبيض، وأهمل المناسبة مرة ثانية هذه السنة. مع ذلك فهو أقام حفلة إفطار في البيت الأبيض بمناسبة صوم رمضان هذه السنة دعا اليها سفراء الدول الإسلامية وغيرهم. بكلام آخر، الرئيس أوباما أعطى خصومه السياسيين ذخيرة ضده، ولعله أدرك ذلك متأخراً، فخلال حفلة الإفطار في البيت الأبيض قال الرئيس «كمواطن وكرئيس أعتقد أن للمسلمين الحق نفسه في ممارسة ديانتهم كبقية المواطنين، وهذا يشمل حق بناء دار عبادة ومركز اجتماعي على ممتلكات خاصة في مانهاتن السفلى ضمن نطاق القوانين المحلية...». وعندما قامت عليه قيامة لم تقعد وخشي أركان حزبه الديموقراطي أن يزيد موقفه صعوبات مرشحي الحزب في الانتخابات النصفية بعد شهرين، عاد الرئيس أوباما في اليوم التالي ليصرح قائلاً «لم أكن أعلق ولن أعلق على حكمة القرار ببناء مسجد هناك». وزاد تراجعه من الحملات عليه، وأصبحت مسألة هل هو مسلم أو مسيحي، وهل ولد في الولاياتالمتحدة فعلاً قضية كبرى بعد أن كان الذين يرفعون لواءها من جماعات هامشية متطرفة لا تحظى بأي احترام. عشرات السياسيين وبعض أبرز رجال الميديا أصبحوا يرددون يوماً بعد يوم أن أوباما مسلم، ولا أستطيع هنا سوى إعطاء مثل فأختار آن كولتر، وهي كاتبة يمينية متطرفة، طلعت برأي من خارج القطيع، فقالت إن الحديث عن باراك أوباما كمسلم سخف يجب أن يتوقف لأنه ملحد. وهي قررت أن أوباما لم يصلِّ يوماً كمسلم، وأن الشاهد الوحيد على أنه صلى في كنيسة المسيح المتحدة 20 سنة هو راعي الكنيسة القس الأسود جرمياه رايت الذي يكره أميركا والذي لا يمكن أن تُقبل شهادته. ولكن كيف توصلت كولتر الى أن أوباما ملحد؟ هي وصلت عن أهون طريق، فهو ليبرالي والليبراليون ملحدون حتى لو ادعوا العكس، أي أنها تحتكر الدين، سواء كان المسيحية أو الإسلام أو اليهودية، للمتطرفين مثلها. الموضوع ليس مجرد قصة أرويها للقراء، فموقف الرئيس غير شعبي والاستفتاءات تظهر أن 70 في المئة من الأميركيين يعارضون بناء المركز الإسلامي في الموقع المقترح له، ما يعني أن يخسر المرشحون الديموقراطيون تأييداً شعبياً هم بأمس الحاجة اليه مع استمرار الأزمة المالية الهائلة، ووقاحة الجمهوريون الذين تسببوا بها في تحميل باراك أوباما المسؤولية عنها. ولعل عزاء باراك أوباما، وهو يعرف تاريخ بلاده، أن إبراهام لنكولن اتهم بأنه كاثوليكي، وأن فرانكلن روزفلت اتهم بأنه يهودي، ومتهمو أوباما يضعونه في مصاف اثنين من أعظم الرؤساء الأميركيين. [email protected]