في كل ما شاهدناه من أعمال كوميدية هذه السنة، نتوقف فقط عند «ضيعة ضايعة» للمخرج الليث حجو، فهو وحده من يستحق أن نطلق عليه إسم الكوميديا، بالنظر الى السوية الفنية العالية التي تحقق بها... وأيضاً بالنظر الى مضمونه الفكري الحكائي الذي ارتفع عن السطحية ولامس موضوعات واقعية حقيقية. في «ضيعة ضايعة» تبرز للعيان أهمية حضور المخرج الفنان، ربما بدرجات أعلى من تلك التي تحتاجها الأعمال التراجيدية أو الواقعية، خصوصاً أن الكوميديا بحكم طبيعتها الفنية تقف على بعد شعرة دقيقة من التهريج وما يحمله عادة من سطحية وإسفاف رأيناهما يغرقان أكثر من عمل من تلك التي ادّعت الانتساب للكوميديا، وحاولت إضحاك المشاهدين. لا ننكر هنا صعوبة توفير النص الكوميدي الحقيقي الذي ينجح في اجتذاب المشاهد وفي الوقت ذاته يمتلك جدارته الفنية والفكرية. هي ملاحظة نسوقها وقد تنامت في صورة مقلقة الأعمال «الكوميدية» الهابطة التي تعيد تذكيرنا بالمسرح التجاري السيئ الصيت الذي لم يستطع خلال أربعة عقود أن يترك أثراً ما في ذاكرة المشاهدين. نقول ذلك وفي البال فكرة الكوميديا والممثل: في «ضيعة ضايعة» يحقق الممثلان نضال سيجري وباسم ياخور أداء كوميديا جميلاً، يلغي فكرة التقسيم التقليدي العبثي بين ممثل كوميدي وآخر جاد. وعلى رغم اننا عرفناهما كثيراً في أدوار جدية، استطاعا مع ذلك تقديم أداء كوميدي لافت يجعلهما في مقام من يحلو للبعض نقدياً تسميتهم ممثلين كوميديين. ذلك هو بالضبط عمل الموهبة التمثيلية، لكنه أيضاً نابع من جدارة المخرج الفنان الليث حجو الذي عرف كيف يعثر ببراعة على الحلول الإخراجية الرشيقة والحيوية التي تحافظ على العلاقة بين الشاشة وجمهور المشاهدين في صورة غير مسبوقة في ما شاهدناه سابقاً من أعمال كوميدية. إذ استعدنا معه أيام الكوميديا الجميلة والنظيفة، والتي تحمل مضامين اجتماعية وإنسانية راقية. الكوميديا هي الفن الأصعب، وما نقوله ويردده الجميع ليس مجرد ذريعة لسقوط بعضهم في السطحية والتهريج، بل يجب أن يكون حافزاً للعمل بجدية أكبر لاستعادة الجدي والجميل. فمن غير المنطقي والمقبول هذا الهبوط الحاد الذي يقارب التهريج في أكثر من عمل تابعناه على شاشة رمضان.