الحكمة المهدرة: لستَ بحاجة إلى أن تكون حكيماً.. فمجرد عجزك عن إحداث شيء بالغ الأهمية، حيال هذا الخراب الذي يعم العالم، يكفي لإحداث شرخ في صورتك الداخلية عن ذاتك.. كما أنه يكفي - أيضاً - لنبذك في فراغ الواقع، إذ يجلد الإنسان نفسه بشكل آلي بلا رحمة. إذ يكون الانتظار أقسى أنواع العذابات الممكنة على الإطلاق. كل ذلك يحدث لسبب بسيط جداً، هو أنك تتماهى مع وجهة الحياة العبثية، تُسلم نفسك للتيار الذي يتهاوى بخبث من أعالي الوعي المفروض! لسحيق انتفاء الإدراك، يا للأسف.. بالتالي فإنك إن لم تصنع الواقع الذي يخصك، فستكون حتماً ضمن فقرات واقع الآخرين. وكنتيجة طبيعية لكل هذا، لن تتاح لك الفرصة للعيش - الذي هو أدنى الممكن - لأن الحياة قدر ذاتي، وممارسة خاصة وابتكار فريد. تجريب سماوي: في وسعي أن أكتب عن هذه اللحظة العالية بمهنية، وتجاوز للمعقول في ما لو جربت ذلك لأجل لحظة مفارقة! وتوطئة لفلسفة مقدور على كتابتها وفهمها إذا أمكن ذلك. مجمل ميكانيكية الحياة واضح لمن؟! نعم للكل، لكن غياب الانتباه واليقظة تفقد الأضواء معنى التوهج، أنا أنظر إلى المسألة بدافع الشفقة، والمسؤولية أيضاً. الشفقة من تفتت مظهر الثقة الذي يبدو متماسكاً في التبجح بالانتباه، والمسؤولية الواضحة تجاه تلقي ذلك الوهج المعرفي، والتوقد في السؤال، الذي يعقب الوهج دائماً، أو ربما (لا) الحاسمة!! غطاء للرأس الحائر: أخذني سائق التاكسي إلى شارع براغا في باندونغ، ما الذي أوحى له بأن يأتي بي لهذا الشارع؟ المكان يضيق بالمارة، وبواجهات الحانات والمقاهي وبالرسامين ومن يعرضون نماذج لمحبي الوشم، الكل هنا إما أنه يأكل، أو يشرب، أو يدخن، أو يعزف. عدت من هذا الشارع إلى مكان إقامتي، بحثت في المجمع التجاري بعد يومين عن قبعة بتصميم وشكل خاص لرأسي الحائر؛ لم أجد، قلت في نفسي لعل لا أحد يرتدي مثل هذا الغطاء للرأس هنا، في باندونغ (التي يسميها الإندونيسيين: باريس إندونيسيا). شابة تبيع في محل بيع ملابس عالمي، قالت لي إن مثل هذه القبعات قد تباع في شارع (براغا)، أذكر أنني لم أكن حاسر الرأس عندما أخذني السائق قبل يومين لذلك الشارع، فالتقينا بامرأة متنكرة بزي ممرضة تعرضت لحادثة، ويحوم حولها شبح بوجه أحمر مخيف؛ أخبرني السائق - وهو يضحك - يومها أن هذا (غوست ميد إن إندونيشيا): شبح صنع إندونيسيا، وأظنه كان يقصد أنه الموت، أو إنني اعتقدت ذلك فحسب. كلمة.. في تأبين بحر: كالموج المكتوم في صندوق معدني.. تسمعه وتشفق عليه.. لا يبللك حزنه أو جبروته المقموع.. لكن صورته المدسوسة في ظلام المعنى لا تغيب.. هل لاحظت أن كلمة، قد تعكر طغيانه، لأنه في المقابل، صمت يذوي! كيف يصبح هذا الصمت بعد هذه الفعلة؟ لا كلمة تشير إلى ساعة معينة.. ينفد الوقت ويبقى صوت الغرق المحتمل. صمت العلو: في اللحظة المناسبة، أي الفرصة بمدلول - آخر - مشابه؛ تنمو الزهرة ببطء مخيف، بطء غير مرئي، وغير محسوس، لكن حدساً ما في رأسي يُسمعني هذا النمو (العلو). أسمع الزهرة وهي تكبر.. صوتها مقرونٌ برائحة.. صوت الرائحة!! كيف يكون ذلك؟! إنها براعة النبات العطري الفتن.. جسد الزهرة المنسق على منوال الإغواء.. تلك البراعة التي تتذكر الذهول والدهشة لحظة النمو.. في البطء الحرج.. في الزمن المبهم.. الزمن الخاص بروعة الزهرة التي تفيض بسر حياتها.. المتوحدة في إبداء عمق العلو والحياة القصيرة.. تلك الزهرة! اختراع كوني: اختراع شيء ما.. ينافي التعب الذي تحدثه وجوه الناس، والبلبلة التي تتوهج منها اختراع الشعور باستلاب قلب ذاهل.. والمداراة عليه من هبات القلق. اختراع حيلة لجعلك تائه بين كلمات ليس لها طريق.. أو وجدان نقي يصنع معجزة. اختراع كلب حراسة لقطيع مجنون اختراع نكهة حلوة مصنوع من الليمون المُدوخ. اختراع قلم حبر سائل.. ومنشفة لا تتعب.. وماء مقطر اختراع وجع اختراع لقاء لا تفسده عين حاسد اختراع قبلة وقطع شوكولاتة للعيد اختراع سرير عائم في الهواء اختراع صدمة ختامية. * ناقد سعودي