الرقم المتعلق بصناعة الدراما العربية لهذا الموسم لا يعتبر مكلفاً اذا قيس بعدد المسلسلات التي أنتجت وبعضها يعتبر من الإنتاجات الضخمة التي يمكن أن تمتص سيولة مالية كبيرة. هذا اذا نظرنا إلى أجور بعض نجوم الصف الأول التي تلتهم في بعض الأحيان نصف موازنة هذا المسلسل أو ذاك. البعض قد يعتبره غير ذلك، وأول من يتحمل وطأته هو دافع الضرائب في عالم لا يزخر بمشاريع التنمية المستقبلية، بل ربما يكاد يكون من أكثر مناطق العالم التي تضيّع الفرص أمام جيوش العاطلين من العمل. فلطالما حذرت تقارير التنمية في العالم العربي عبر السنوات الماضية من فشل مشاريع التنمية التي يدفع ثمنها ما نسبته ستون في المئة من قوام هذه المجتمعات والتي تتشكل - للمفارقة - من الشباب. المبلغ المستثمر في صناعة الدراما هو اكثر من 200 مليون دولار بحسب تقرير اقتصادي أعدته محطة «الجزيرة» القطرية. هذا يعني أن ثمة مبلغاً كبيراً مقتطعاً من دافعي الضرائب يذهب لصناعة الترفيه وحدها. قد لا يعتبر الرقم مكلفاً بنظر البعض كما أسلفنا، ولكن اجمالي «كعكة» الإعلانات خلال شهر رمضان تتجاوز خمسة بلايين دولار، وبعضها يتأتى من قيام رجال أعمال عرب بإطلاق فضائيات خلال هذا الشهر فقط تعمل على بث مسلسلات وبرامج ترفيه لقاء مبالغ مجزية مقابل وقوعهم على حصة من الإعلانات تصل إلى أرقام فلكية في عالم مضيّع يعج بالكثير من المتناقضات، وهناك شكوك بخصوص هويته المستقبلية. بالتأكيد صناعة الترفيه مهمة في حياة أي مجموعة بشرية، وهذا جزء من طبيعة الحياة نفسها، ولكن أن تستثمر الطاقات وتشحذ الهمم بالاعتماد على صناعة الأحلام وبيع الأوهام من خلال تضخيم أدوار وأعمال تقف وراءها محطات وفضائيات الشهر الواحد، فهذا موضع شكوك أكبر بالمادة المنتجة ومدى أهميتها وجدواها. فلولا اختيار رجال الأعمال هذا الموسم بالذات لاقتناء بعض هذه الأعمال ونفخ روح الاستهلاك الجبارة فيها لوقعنا على أعمال لا تستحق المشاهدة في معظمها. وتكفي متابعة هذا السيل الدافق من الإعلانات التجارية التي تكاد تطيح هذه المسلسلات وتشلها تماماً لكثرتها حتى نكتشف معها أن نسبتها في هذا الشهر وحده تبلغ 60 في المئة من مجموع الإعلانات على مدار عام كامل. بالطبع لا أحد يمكنه أن يقف ضد صناعة الترفيه. هذا طوفان يتحكم به رأسمال قوي، والناتج منها مغر للجميع، ولكن يمكن متابعاً لطبيعة سير هذا المال الطفيلي الذي ينبت حصراً في هذا الموسم ان يكتشف أيضاً أن نجوم الدرجة الأولى يحصلون على أجور عالية من مجموع المبالغ المستثمرة، وقد تسمح نجوميتهم بالحصول على نسبة من كعكة الإعلانات نفسها ما يحرم نجوم الصف الثاني والكومبارس وكتاب الدراما وحتى المخرجين من مردود هذه الصناعة المجزية.