في سابقة في تاريخ الجمهورية التركية، استضاف الرئيس رجب طيب أردوغان في قصره المنتسبين الجدد إلى سلك القضاء والنيابة، وقدّم «توجيهات» لهم، ما أغضب أحزاب المعارضة ونقابات حقوقية. تزامن ذلك مع طرح الحكومة مجدداً مشروع أردوغان لتحويل النظام رئاسياً. وشهد قصر الرئاسة قُرعةً تحدّد أماكن توظيف مئات ممّن سيبدأون حياتهم المهنية في وزارة العدل، وذلك في إطار ملء فراغ أحدثه طرد آلاف من المشبوهين بالانتماء إلى جماعة الداعية المعارض فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) الماضي. واستهجنت المعارضة طلب أردوغان من الموظفين الجدد اعتبار فضيحة فساد كبرى طاولت الحكومة أواخر العام 2013، محاولة انقلابية فاشلة دبّرها غولن، مشدداً على أهمية محاربة جماعته بلا هوادة. وفنّد حديث المعارضة عن «مظلومين» في حملة التوقيفات والفصل من العمل التي تلت المحاولة الانقلابية، داعياً «المشكّكين في الإجراءات القانونية» إلى «التظلّم لدى القضاء»، علماً أن قانون الطوارئ الذي طبّقته الحكومة بعد المحاولة الفاشلة، يمنع عودة الموظفين المطرودين من وظائفهم، من خلال التظلّم لدى المحاكم الإدارية. كما أقرّ أردوغان الشهر الماضي بأن التحقيقات والتوقيفات «أخذت الصالح بذنب الطالح». وانتقدت أحزاب المعارضة ونقابات حقوقية إصدار الرئيس «توجيهات» للقضاة والمدعين، في دولة ديموقراطية يُفترض بها فصل السلطتين التشريعية والتنفيذية عن القضاء. في غضون ذلك، أعلن رئيس الوزراء بن علي يلدرم أن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم سيطرح مجدداً مسوّدة دستور تتضمّن نظاماً رئاسياً موسعاً سعى أردوغان إلى تطبيقه قبل المحاولة الانقلابية. واعتبر يلدرم أن على «تركيا أن تسبغ وضعاً قانونياً على الأمر الواقع»، لافتاً إلى أن ذلك سيتيح لمؤسسات الدولة العمل في شكل أكثر انسجاماً، ويضمن استقراراً سياسياً دائماً. وشكر رئيس حزب «الحركة القومية» المعارض دولت باهشلي الذي فتح هذا الباب مجدداً، مُجنِّباً أردوغان حرجاً في هذا الصدد، إذ لم يطرح الرئيس هذه المسألة صراحة منذ المحاولة الانقلابية، تحاشياً لاتهامه باستغلال المرحلة سياسياً لمصلحته. وباهشلي الذي كان من أبرز معارضي أردوغان، بدأ منذ شهرين دعم سياساته ضد جماعة غولن و «حزب العمال الكردستاني»، إذ ساعده في التخلّص من مناوئيه في حزب «الحركة القومية» الذين طالبوا باستقالته وانتخاب زعيم شاب للحزب. وبعدما رفض باهشلي النظام الرئاسي، عرض أخيراً مساعدة الحزب الحاكم في تأمين 330 صوتاً في البرلمان، من أجل طرح المشروع على استفتاء عام. إلى ذلك، بثّت شبكة تلفزة «إن تي في» أن السلطات التركية أوقفت 30 من 215 شرطياً أصدرت مذكرات بتوقيفهم، بينهم 147 قائداً، في إطار التحقيقات في المحاولة الانقلابية. وأعلنت وزارة الدفاع عزل 201 من أفراد سلاح الجوّ و32 من البحرية. وأفادت وكالة «رويترز» بأن تركيا طردت بعد المحاولة الفاشلة حوالى 400 من مبعوثيها العسكريين لدى مراكز للحلف الأطلسي في الولاياتالمتحدة وأوروبا، بعضهم من أفضل الضباط تدريباً. وأشارت إلى أوامر ل149 مبعوثاً عسكرياً في ألمانيا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا بالعودة إلى تركيا في غضون ثلاثة أيام. وأضافت أن معظمهم طُردوا من الخدمة لدى عودتهم إلى بلادهم، أو أوقفوا وسُجنوا. ونقلت «رويترز» عن مسؤول تركي أن 9 من 50 مبعوثاً لبلاده لدى مقرّ «الأطلسي» في بروكسيل، ما زالوا في مراكزهم. ولفت إلى أنهم لم يشاركوا في الاجتماعات الأخيرة للحلف. واعتبر ضابط معزول يُدعى عزيز أردوغان، أن «القاسم المشترك بين الضحايا هو خلفيتهم التعليمية الغربية وعقليتهم العلمانية». في غضون ذلك، أوقفت السلطات التركية 49 شخصاً، بينهم مسؤولون في «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي، لاتهامهم ببثّ «دعاية إرهابية» والانتماء إلى «مجموعة إرهابية»، في إشارة إلى «الكردستاني».